من يقرأ بسرعة يختلف عمن يقرأ بذكاء. فالقراءة بذكاء تمكنك من تخيل النص في عقلك بعد الانتهاء منه، وقد رسمت بين كلماته وسطوره وفقراته خارطة مفاهيم. تثري معرفتك حوله وتبقيه في ذاكرتك؛ لتكوّن مكتبة شاملة تجمع الكثير من التخصصات. تستدعي ما تحتاجه منها من ذاكرتك البعيدة في أي مكان وزمان، ولا يمكنك ذلك إلا إذا توفرت لديك مهارة الفهم القرائي.
فما هو الفهم القرائي؟ ماهي عناصره؟ أنواع القراءة، وأهم نظريات الفهم القرائي. هذا ما ستجد الإجابة عليه في السطور التالية. تابع معنا لنتعلم معاً هذه المهارة.
مفهوم الفهم القرائي
هو نشاط عقلي يتمثل في استنتاج المعنى من المادة المقروءة في ضوء الخلفية المعرفية للقارئ. ينطلق من فهم الكلمة والجملة والفقرة. ويتعدى ذلك ليشمل الربط بين المعاني، استيعابها، تحليلها والتفكير في النص بشكل نقدي لتحقيق الفهم العميق ومعرفة الفكرة العامة للموضوع المقروء.
عناصر الفهم القرائي
لا يحدث الفهم القرائي بشكل اعتباطي وارتجالي؛ بل يتكون من عدة عناصر، باستكمالها تتحقق الغاية والهدف من الفهم القرائي ومن أهم عناصره:
1. الفهم اللفظي
و يشير إلى القدرة على فهم المعلومات المذكورة بوضوح في النص، مثل الحقائق والتفاصيل المحددة والأفكار الرئيسية. و يتطلب بشكل أساسي فهم اللغة والقواعد النحوية.
2. الفهم التفسيري
يتعلق بقدرتك كقارئ على استنتاج المعاني والنوايا غير المذكورة صراحةً في النص. و يشمل ذلك استنباط العلاقات بين الأجزاء المختلفة من النص، وفهم الأفكار والمفاهيم الضمنية.
3. التقييم النقدي
يشير إلى قدرة القارئ على تقييم النص بناءً على معايير معينة، مثل الدقة، والموثوقية، والتحيز، وجودة الحجة. يتضمن هذا العنصر تكوين رأي شخصي حول النص وتقدير قيمته.
4. التلخيص
ويعني قدرة القارئ على اختصار النص بشكل فعال، مع الاحتفاظ بالأفكار الرئيسية والعناصر الهامة، وإزالة التفاصيل غير الضرورية.
5. الفهم المعرفي
يعكس الوعي الذاتي للقارئ بعملية الفهم القرائي الخاصة به، بما في ذلك استراتيجيات الفهم والتفكير الذاتي أثناء القراءة وبعدها. و يشمل ذلك التساؤلات الذاتية، مراجعة الفهم، وتعديل استراتيجيات القراءة حسب الحاجة.
6. الاتصال بالخبرات الشخصية والمعرفة السابقة
وتعني قدرتك على ربط المعلومات الجديدة الموجودة في النص بما تعرفه بالفعل. مما يساعد على تعميق الفهم وتحسين الاحتفاظ بالمعلومات.
7. الاستنتاج والتنبؤ
و هو استخدام الأدلة من النص لاستنتاج معلومات لم تذكر بشكل صريح والتنبؤ بالأحداث أو النتائج المستقبلية.
8.. التفكير الاستقصائي
و يتضمن توليد الأسئلة حول النص لاستكشاف الأفكار والمفاهيم بشكل أعمق. و يشجع على التفكير النقدي ويساعد في تحديد أجزاء النص التي قد تحتاج إلى مزيد من الفهم أو البحث.
9. التصور
وهو إنشاء صور ذهنية للمشاهد والشخصيات والأحداث الموصوفة في النص. مما يساعد في تعزيز الفهم والذاكرة للنص.
10. المرونة القرائية
و هي التمكن من قراءة النصوص بسرعة ودقة وتعبير، والتي تعد ضرورية للفهم الفعال. مثل التعرف السريع على الكلمات واستخدام التنغيم المناسب عند القراءة بصوت عالٍ.
اطلع أيضاً: دور المعلم في تعليم مهارات التفكير
أنواع القراءة
لا تستغرب العنوان!! نعم للقراءة أنواع متعددة تتطور وتتشكل بناءً على أهداف القارئ وطبيعة النصوص المقروءة. يتطلب كل نوع منها مجموعة مختلفة من المهارات والاستراتيجيات. إليك أبرز أنواع القراءة:
القراءة الصامتة
يتميز هذا النوع من القراءة باستخدام العينين فقط؛ وذلك بالمتابعة البصرية للمكتوب دون إصدار أي صوت أو تحريك للشفاه. يعد هذا النوع هو الأكثر انتشارًا فيما بيننا، والأكثر استخدامًا في حياتنا اليومية؛ فهذا النوع عادة ما نستخدمه عندما نقرأ الرسائل اليومية الواردة على هواتفنا المحمولة.
القراءة التحليلية
و تعني قراءة النص بتعمق وتركيز، مع التفكير في محتواه وهيكله وأسلوبه. و يهدف إلى فهم النص بشكل كامل، تحليل الأفكار المقدمة، وتقييم كيفية تقديم الحجج والأدلة.
القراءة النقدية
تشمل تقييم النص، تحليل معناه، والحكم على صحته وأهميته. تتطلب القراءة النقدية تتطلب من القارئ أن يكون ناقدًا ومحللًا، مستفسرًا عن المصادر، ومدركًا لوجهات النظر المختلفة والسياق الذي كُتب فيه النص.
القراءة التفصيلية
تعد من أكثر أشكال القراءة تعمقًا، حيث يغوص القارئ في النص، يفكر بعمق في المعاني، يربط بين الأفكار والمعلومات داخل النص وخارجه، ويعكس تجاربه ومعرفته الشخصية. تشجع هذه القراءة على التأمل والاستيعاب العميق.
القراءة السريعة
تركز على زيادة سرعة القراءة دون التضحية بفهم المحتوى. وذلك عن طريق زيادة فهم كتل الكلمات في وقت واحد، وتحسين التركيز. هدفها تحسين الكفاءة في القراءة لاستهلاك كميات كبيرة من المعلومات في وقت أقل.
القراءة التأملية
تشجع على التفكير العميق في النص والتأمل في معانيه والتأثيرات الشخصية أو الأخلاقية التي يمكن أن يثيرها. هذا النوع من القراءة يدفع القارئ إلى استكشاف القيم والمعتقدات الشخصية من خلال التفاعل مع النص.
اطلع أيضاً: طرق تدريس الفهم القرائي
أهم نظريات الفهم القرائي
نتيجة لحداثة القرن الواحد والعشرين وما يتطلبه من تطوير على كافة المجالات. تم تطوير عدة نظريات لتعزيز الفهم القرائي. إليك بعضًا من أهم هذه النظريات:
نظرية الاستجابة القرائية
تركز هذه النظرية على دور القارئ في إنشاء معاني النص، مشددةً على تأثر الفهم القرائي بشكل كبير بخلفية القارئ الثقافية والشخصية والمعرفية. وفقًا لهذه النظرية، ينشئ القراء معانيهم الخاصة من خلال التفاعل مع النص، مما يجعل القراءة عملية فريدة وشخصية.
نظرية النمذجة العقلية
تقترح هذه النظرية أن القراء يبنون نماذج عقلية أو تمثيلات للمعلومات الموجودة في النص أثناء القراءة. مما يساعد في تنظيم وفهم المعلومات بطريقة تجعلها متاحة للتفكير والتحليل. من خلال تفعيل المعرفة السابقة وربط الأفكار الجديدة بالمفاهيم المألوفة.
نظرية النص والقارئ
تؤكد هذه النظرية على العلاقة الديناميكية بين النص والقارئ. وتشير إلى أن الفهم يأتي من تفاعل بين المعلومات الموجودة في النص والخبرات والمعرفة التي يجلبها القارئ إلى عملية القراءة. هذا التفاعل ينتج عنه فهم معزز وأكثر عمقًا للنص.
نظرية الفهم البنائي
تستند هذه النظرية إلى الفكرة القائلة بأن القراء يبنون المعنى بنشاط من خلال تجربة القراءة، مستخدمين خبراتهم السابقة والمعرفة القائمة. يُنظر إلى الفهم القرائي على أنه عملية بنائية حيث يشارك القراء بنشاط في تشكيل معاني النصوص.
نظرية الفهم المتعدد الوسائط
تعترف هذه النظرية بأن الفهم القرائي لا يقتصر فقط على النصوص المكتوبة ولكن يشمل أيضًا الصور، الرسوم البيانية، الفيديو، والوسائط الأخرى. وفقًا لها، يجب على القراء تطوير مهارات لفهم وتفسير الرسائل المقدمة عبر وسائط متعددة، معتبرة القراءة عملية تفاعلية تتطلب التفكير النقدي والتحليلي.
نظرية الفهم الاجتماعي الثقافي
تركز هذه النظرية على الدور الذي تلعبه السياقات الثقافية والاجتماعية في تشكيل فهم القارئ. حيث تُعتبر القراءة عملية اجتماعية تتأثر بالتفاعلات بين الأفراد والممارسات الثقافية والمعايير الاجتماعية. يشجع القراء على فهم النصوص من خلال استكشاف تأثير هذه السياقات على معنى النص.
اطلع أيضاً: مهارات الفهم القرائي، وكيفية تطويرها
ختاماً، في رحلة استكشاف أعماق الفهم القرائي، تجد أنه أكثر من مجرد قراءة كلمات على صفحة؛ إنه رحلة عبر عوالم الأفكار، محطة للتفاعل مع العقول الأخرى، وجسر يربط بين الماضي والحاضر والمستقبل. في ضوء التحديات والصعوبات، يبقى الفهم القرائي مهارة حيوية تتطلب الصبر، الممارسة، والاستمرارية في التعلم والنمو، لاكتساب عقلية إبداعية ترسم مستقبلاً مشرقاً وإرثاً مشرّفاً.
الأسئلة الشائعة حول نظريات الفهم القرائي
هل هناك فرق بين الفهم القرائي والاستيعاب القرائي؟
الفهم القرائي والاستيعاب القرائي مصطلحان يُستخدمان بشكل متبادل في مجال التعليم وعلم النفس التعليمي، لكنهما يختلفان في الجوانب التي يركز عليها كل منهما. فالفهم القرائي يُشير إلى قدرة القارئ على تفسير وتحليل المعلومات المقروءة وربطها بالمعرفة السابقة، بينما يُعنى الاستيعاب القرائي بمدى استيعاب وحفظ القارئ للمعلومات المقروءة. .
ما هي مستويات الاستيعاب القرائي؟
تشير مستويات الاستيعاب القرائي إلى درجات متفاوتة من الفهم التي يمكن للقارئ أن يحققها أثناء وبعد القراءة. وتختلف المستويات باختلاف التصنيفات. حيث صنف سترين الاستيعاب إلى ثلاثة مستويات، و تبدأ بالمستوى الحرفي ثم التفسيري و تنتهي بالمستوى التطبيقي . تعكس هذه المستويات عمق الفهم والتفاعل مع النص.
ما هي صعوبات الفهم القرائي؟
تتنوع صعوبات الفهم القرائي وتشمل ضعف القدرة على التركيز وفهم الكلمات والجمل، صعوبة في ربط المعلومات الجديدة بالمعرفة السابقة، وتحديات في استنباط الاستنتاجات وتقييم النص. أيضًا، قد يواجه بعض القراء مشكلات في التمييز بين الأفكار الرئيسية والثانوية، وفي بناء وتنظيم النماذج العقلية للنصوص المقروءة. قد تؤثر هذه الصعوبات بشكل كبير على القدرة على استيعاب وتحليل المحتوى القرائي.