تفرض التغيرات المتسارعة في عالمنا الرقمي التفكير خارج الصندوق. فالقطاع التعليمي بوصفه أحد أهم الجوانب التي أُجبر القائمون عليه على مواكبة هذه التغيرات. وقد سعى إلى تطبيق تقنيات واستراتيجيات عصرية تغطي متطلبات العصر الرقمي، وأهمها التلعيب أو اللوعبة لكونها تملأ الفجوة التي يخلقها التباعد الفيزيائي الناتج عن الرقمنة من خلال جعل البيئة التعليمية أكثر تفاعلية وتحفيزاً على الانخراط في العملية التعليمية.
في مقال اليوم نسلط الضوء على استراتيجية التلعيب في التعلم الإلكتروني، وأهميتها في العملية التعليمية الرقمية، وانعكاساتها وكيفية توظيفها بالشكل الأمثل، إضافة إلى قائمة لأهم الأدوات الرقمية التي يمكنك استخدامها في حياتك المهنية.
ما استراتيجية التلعيب في التعلم الإلكتروني؟
لا يقطف التعليم ثماره ما لم يحدث في بيئة تفاعلية محفزة على المشاركة الطوعية بل الرغبوية في بعض الأحيان؛ ولذلك ظهرت فكرة تطبيق مفهوم التلعيب في العملية التعليمية.
يمكن تعريف مفهوم التلعيب أو اللوعبة Gamification بأنه مفهوم قائم على فكرة تحويل أركان العملية التعليمية التقليدية إلى مفاهيم وعناصر ذات طابع لعبويّ، جاعلاً البيئة التعليمية وسطاً يحاكي تجربة الانخراط في لعبة مع آخرين.
هل التلعيب يعني التعلم من خلال اللعب ؟
تساؤل هام نناقشه في مقالنا؛ فتشارك كلا المفهومين فكرة اللعب يوحي للوهلة الأولى أنهما مجرد تسميات مختلفة لمفهوم واحد، بخلاف الحقيقة. فما الفرق الجوهري بين هذين المفهومين؟ تابع القراءة لتتعرف إليها.
تقتصر فكرة التعلم باللعب على كونها مجرد نشاط موجه نحو تحقيق هدف تعليمي محدد من خلال توظيف لعبة أو أكثر تخدم الهدف التعليمي؛ بمعنى آخر هو المزج بين الهدف التعليمي والمتعة والتسلية في نشاط محدد موجّه ومركّز. أما مفهوم التلعيب فهو مفهوم أكثر شمولية؛ فهو استراتيجية متكاملة مرتكزة على السياق متجاوزةَ بذلك الهدف المحدد.
إذ تعتمد نظرية التلعيب في التعلم الإلكتروني توظيف مبدأ المكافآت المادية والمعنوية لخلق سياقٍ تعليمي يحفّز على التعلّم، وزيادة الخبرات، والتشارك مع الأقران، وتبادل المعارف والخبرات دون وجود أي هدف محدد مطلوب تحقيقه.
لذلك، زاد تسليط الضوء على استراتيجية التلعيب ولا سيما في القطاع التعليمي، من أجل جذب انتباه المتعلمين وزيادة تفاعلهم للتغلب على عقبات البعد الفيزيائي وغيره من التحديات.
مفهوم التلعيب التعليمي الرقمي
ليس صعباً عليك -عزيزي القارئ- استنباط تعريفك الخاص لمعنى التلعيب التعليمي الرقمي. ربما تقول إنه توظيف الألعاب والأدوات الرقمية في الجلسات التعليمية عبر الإنترنت؛ بالطبع هذا صحيح. ولكن دعني نضف لك نقطة هامة في هذا السياق.
استخدام التلعيب في التعلم الإلكتروني يحتاج إلى التفكير في كيفية توظيف تصميم اللعبة الرقمية بما يتماشى مع عناصر العملية التعليمية بالشكل الذي يزيد من تفاعل المتعلمين.
اطلع أيضاً: كيف تُفعّل دور المتعلم في العملية التعليمية؟
أهداف التلعيب التعليمي الرقمي
عزيزي القارئ، لا شك أنك تتفق معي أن توظيف التلعيب في التعليم الرقمي الذي يشهد نمواً مطرداً في عصرنا الحالي بات رافعة حقيقية لزيادة كفاءة العملية التعليمية وجودتها.
فما الأهداف الأخرى وراء تطبيق استراتيجية التلعيب في عملية التعلم؟ إليك أهم 4 أهداف:
- التعلُّم بالتطبيق والتجريب.
- تشرُّب المعرفة المكتسبة وسهولة استرجاعها.
- غرس حسّ الفضول والبحث عن المعلومة في مصادر خارجية.
- تعزيز مهارات شخصية ومهارات التفكير العليا.
كيفية استثمار التلعيب في التعليم الرقمي
كلما كان تصميم الاستراتيجية دقيقاً، كانت النتيجة من العملية التعليمية أكثر فاعلية. فتطبيق التلعيب في العملية التعليمية الرقمية لا يعني مجرد اختيار الاستراتيجية وتطبيقها بل تحتاج إلى إجراء بعض التعديلات لتتماشى مع طبيعة المحتوى والمتعلمين على حد سواء.
أقصد القول: إنّ حسن اختيار التكتيكات والعناصر في تطبيق اللوعبة يؤثر أيما تأثير في تحقيق النتائج المرجوة من العملية التعليمية؛ فمثلاً المتعلمون في سن الطفولة يحتاجون إلى توظيف تطبيقات الألعاب التي تعتمد مبدأ النقاط، والمكافآت، والشارات أما المتعلمون في الأعمار الأكبر فهم أكثر ميلاً للتفاعل مع الألعاب التي تطبق قوانين، وقواعد، وفيها التنافس، والتشاركية، واتخاذ القرار، والحصول على رد فعل لما يفعلونه.لذلك، لا تغفل أن تحدد بدقة مع من تتعامل، وما أهدافك التي تريد تحقيقها قبل اختيار الأداة الرقمية حتى تحقق أقصى فائدة من توظيف استراتيجية التلعيب في جلساتك التعليمية عبر الإنترنت.
اطلع أيضاً: توظيف ChatGPT في تصميم الحقائب التدريبية والتعليمية
انعكاسات التلعيب على المتعلمين والعملية التعليمية في عصر الرقمنة
تتعدى أهمية هذه الاستراتيجية زيادة التفاعل والانخراط في العملية التعليمية، وتحفيز المتعلمين على اتخاذ زمام المبادرة والبحث، ومن المتوقع أن تنمو وسطياً بمعدل 28% سنوياً بحلول عام 2030، ومن المفيد لك أن تطلع على بعض دراسات الحالة، وقائمة بيانات وإحصائيات حتى 2023 تُظهر لك جدوى هذه الاستراتيجية.
من ناحية أخرى، يرتبط التلعيب ارتباطاً مباشراً بالجانب النفسي، وانعكاساته على هذا الجانب تؤثر إيجاباً على العملية التعليمية إذا أُحسن توظيفها.
نستعرض في هذه الفقرة أهم هذه التأثيرات من منظور العلاقة بين التلعيب وعلم النفس نلخصها في النقاط التالية:
- يعزز التلعيب الناحية العاطفية في العملية التعليمية: تركز هذه الاستراتيجية على خلق ارتباطٍ عاطفيٍّ بين المحتوى التعليمي والمتعلم من خلال جعله يشعر بإحساس أنه موجّه له بشكلٍ فرديٍّ، معززاً بذلك رغبته وتفاعله مع عملية التعلُّم.
- يُسهِّل التلعيب على الدماغ معالجة المعلومات: تعتمد العملية التعليمية باستخدام هذه الاستراتيجية على خلق مناخٍ تعليميِّ بطابع السرد القصصي من خلال تصميم جو قصصي ماتع يجعل الدماغ ينغمس في عملية التعلُّم، ويعالج المعلومات بسهولة.
- يعزز التلعيب صحة الدماغ: تعمل الألعاب على تقوية السيالات العصبية في الدماغ ما يؤدي إلى تقوية المهارات الإداركية كالتذكُّر والانتباه، وتعزيز الاستجابة المنبهات المختلفة.
- يُحسِّن التلعيب العملية التعليمية: يحفز اللعب إفراز الهرمونات كالإندورفين الذي يحسّن مشاعر الاسترخاء والراحة والتركيز، ما يعني قدرة أكبر على التعلم بدرجة أعلى من الفعالية والكفاءة.
أهم التطبيقات والأدوات الرقمية لتطبيق التلعيب في التعلم الإلكتروني
1- Minecraft
ماين كرافت منصة قائمة على مبدأ الألعاب؛ تحفز على الإبداع وشخصنة التعلُّم في اللعبة. وأهم ما يميزها أنها تعد بداية مناسبة لجميع المعلمين والمتعلمين على حد سواء لسهولة التعامل معها، وبساطة التعلّم والتعليم من خلالها. يمكنك زيارة موقعها الرئيسي للتعرُّف إليها أكثر وتجريبها بنفسك.
2- Gimkit
جيمكيت لعبة ألغاز رقمية تعتمد مبدأ السؤال والجواب في اكتساب المعلومة، وتناسب منصة جيمكيت عدداً كبير اً من الأجهزة مع عدد كبير من المزايا الفريدة عن ميزات كاهوت وكويزليت. تعرف إلى جيمكيت من موقعها الرسمي.
3- كلاس دوجو ClassDojo
برنامج كلاس دوجو أداة رقمية تجمع المعلمين والمتعلمين وأولياء أمورهم في مكان واحد. يساعد المعلم في خلق مجتمع تعليمي متكامل في جو من المتعة والتسلية والفائدة
4- Kahoot
كاهوت منصة تعليمية رقمية قائمة على الفوازير وتصميمها في أشكال مختلفة تناسب أهداف المحتوى وحاجات المتعلمين، ويزيد من التفاعل في البيئة التعليمية.
5- كلاس كرافت Classcraft
ما يميز كلاس كرافت أنها لا ترتبط بمحتوى الدروس وإنما بسلوك المتعلمين وتحفيزهم، وتعتمد مبدأ التعزيز والعقوبة، وتوفر للمعلمين فرصة متابعة أداء طلابهم وتقديم الدعم الفردي لكل منهم على حدة.
6- Quiziz
منصة تفاعلية تثري العملية التعليمية، وتزيد من التفاعل من خلال تصميم، وتعديل، ومشاركة الأحاجي والدروس والمسابقات مع المتعلمين. يمكنك زيارة الموقع الرسمي للمنصة للمزيد من التفاصيل
7- Funifier
فانيفاير منصة رقمية تفاعلية تتيح لك ميزات عديدة لاستخدامها لزيادة التفاعل والمشاركة بين متعلميك، ويمكنك الاستفادة منها أيضاً في تعزيز علاقاتك مع عملائك وموظفيك.
8- Edgagement
منصة سحابية للتعلُّم الإلكتروني تختلف عن المنصات الأخرى في أنها تدمج بين التلعيب والسوشال ميديا والمجتمعات البصرية وموجهة بشكل خاص للتسويقمن نمط B2B؛ ويمكن استخدامه في أغراض التعليم لتضمن لك تحقيق أعلى درجات التفاعل والاندماج. ادخل موقعهم الرسمي لتفاصيل أكثر.
9- Mambo.IO
منصة سحابية تفاعلية مصممة لأغراض التعليم وتحسين أداء الموظفين وبناء الولاء لعلامتك التجارية، وبناء علاقة طويلة الأمد مع عملائك من خلال التفاعل معهم عبر تطبيق استراتيجية التلعيب التي تسمح لك أيضاً بمراقبة الأرداء في الوقت الفعلي وتحسين الأداء، وتعزيز العلاقة مع متعلميك وعملائك بشكل ماتع. لا غنى عن زيارة الموقع الرئيسي للمنصة وتجريبها في تعزيز نشاطك الجاري
اطلع أيضا: التمكين الرقمي في قطاعي التعليم والتدريب
التحديات التي تواجه تطبيق استراتيجية التلعيب في التعليم
من أبرز التحديات التي قد تواجهك في تطبيق التلعيب في نشاطاتك التعليمية عبر الإنترنت أن تنجح في تحقيق التوازن بين أن تصمم أو تختار التطبيق الذي يتماشى مع الأهداف والمحتوى الذي تقدمه، وفي الوقت ذاته يحقق المتعة والتسلية للمتعلمين. فلا يطغى أحدهما على الآخر؛ فتصبح العملية التعليمية باردة لا تقدم القيمة المطلوبة للمتعلمين.
وقد تجد صعوبة أحياناً في اختيار التطبيق بمكوناته وتكنيكاته التي تلبي احتياجات المتعلمين؛ فليس الأمر عبثياً وإنما يحتاج إلى الاختيار بعناية. ويبقى التحدي الأهم في تأهيل المتعلمين على توظيف هذه التطبيقات والأدوات ودمجها بشكل صحيح، ثم قياس وتقييم المهام المنفذة تقييماً فعّالاً يقيس أداء المتعلمين بصورة دقيقة.
نصائح لتطبيق التلعيب بفعالية في التعليم
حتى تحصل على أقصى فائدة من تطبيق استراتيجية التلعيب في جلساتك التعليمية عبر الإنترنت، إليك بعض الأخطاء الشائعة التي ترتكب في تطبيقها لتتفادى تكرارها والوقوع فيها:
- تضمين عدد كبير من عناصر التلعيب.
- خلق بيئة شديدة التنافس.
- تكرار المكافآت بوتيرة كبيرة.
- عدم رفع قيمة المكافأة بصورة تدريجية.
ختاماً، إلى جانب العديد من الاستراتيجيات التعليمية التي تلبي متطلبات عصرنا الرقمي، تثبت استراتيجية التلعيب فعاليتها في زيادة تفاعل المتعلمين وجذبهم إلى تلقي المعلومات، ولكن نجاح ذلك يتطلب التأهيل والتدريب الكافي للكادر في القطاع التعليمي الذي قد تكون أنت عزيزي القارئ أحد الذين استخدموا هذه الاستراتيجية أو فكروا في تطبيقها، ممن يبحث عن أدوات رقمية تساعده ومقال كمقالنا هذا يرشده إلى التطبيق الصحيح.
حبذا لو تشاركنا في التعليقات عن دورك في العملية التعليمية سواء كنت متعلماً أم معلماً، وهل استخدمت أحد هذه التطبيقات أو غيرها، شاركنا تجربتك؛ لتعم الفائدة على الجميع.