في عالم العمل اليوم، يعد اختيار المسار المهني المثالي والعمل في مجال يثير شغفنا أمرًا حاسمًا. فالمسار المهني ليس مجرد وظيفة، بل هو رحلة شخصية تجمع بين الاستكشاف وتحقيق الذات. إن العمل في مجال يلبي شغفنا يمنحنا الرضا والإشباع الشخصي ويدفعنا للتفوق والنجاح.
في هذا المقال، نُعرِّف كل من المسار المهني والشغف، كيف يمكننا تحقيق التوازن بين العمل والشغف. وكيف نبحث عن الشغف في أعمالنا المختلفة؟ دعونا نبدأ.
ما هو المسار المهنيِّ؟
في البداية، علينا معرفة ما الذي نقصده بالضَّبط بمُصطلح “المسار المهنيّ”؛ لأنَّه المحور الذي سيدور حوله مجمل ما سنتحدّث عنه، وترتبط به جميع المحدّدات التي سنتناولها في بحثنا هذا.
يُستخدم مصطلح المسار المهنيِّ على نطاقٍ واسعٍ للتَّعبير عن مختلف الأعمال التي من الممكن أن نقوم بها، سواء أكانت هذه الأعمال مرتبطةً باختصاصنا الجامعيِّ، أم كنّا نعمل بها لأنّنا نحقِّق بها ذاوتنا بشكلٍ، أو بآخر، كما أنَّنا نستخدم المسار المهنيَّ للتَّعبير عن العمل الذي نقوم به لتوفير احتياجاتنا المادِّيّة الأساسيَّة، والذي يوفِّر لنا دخلاً ماليّاً كافياً لمصاريفنا المختلفة، والمتنوّعة مثل سداد الفواتير، وما إلى ذلك.
أقسام المسار المهني
ويمكننا أن نقسّم المسار المهنيَّ من خلال هذا التَّعريف إلى قسمين أساسيَّين يشكِّلان مجتمِعين المسارَ المهنيَّ الخاصَّ بكلٍّ منّا:
1- العمل أو المهنة “Job”
في هذا القسم يمكننا العمل في أيِّ مجالٍ من الممكن أن يحقّق لنا الدَّخل المادّيَّ الذي نحتاجه خلال فترةٍ محدّدةٍ، والذي نستعين به للوصول إلى القسم الآخر من المسار المهنيّ.
2- الهويَّة المهنيّة “Career”
أمّا في هذا القسم لا يتوجّب علينا العمل في أيِّ مجالٍ لمجرّد أنَّه يحقِّق لنا دخلاً مادِّيّاً، أو يضمن لنا وفرةً ماليَّةً، إذ يتوجّب علينا أن نحسن انتقاء الخيارات المناسبة لنا تماماً، وعلى كافَّة الأصعدة، وهذاما سنتكلّم عنه بالتَّفصيل لاحقاً.
فعلى سبيل المثال: يمكن أن نعمل خلال فترة الدِّراسة الجامعيَّة في أيِّ عملٍ مهما بدا بسيطاً، أو مهما كان بعيداً عن تخصُّصنا، وذلك لنتمكّن من تدبير المصاريف الماليَّة التي تساعدنا في متابعة الدِّراسة الجامعيَّة، وهذا العمل بكلِّ تأكيدٍ سيكون له التَّأثير الإيجابيُّ علينا لاحقاً، لأنَّه سيُكسبنا بشكلٍ، أو بآخر مجموعةً من المهارات التي نحن بحاجة إليها فعليّاً في سوق العمل على اختلاف مهننا المستقبليَّة.
وبالطَّبع لدينا نداء الحياة “Calling” هو الهدف الأسمى الذي يحقِّق الذَّات، ويحقِّق أقصى درجات السَّعادة، والرِّضا للإنسان، وبالطَّبع يستوي هذا النَّوع من العمل مع باقي الأعمال في تحقيق الذَّات.
نداء الحياة هو العمل الذي تسعد به، ويحقِّق ذاتك، وتستغرق في كلِّ تفاصيله، وتشعر بالمتعة، والحماس أثناء أدائه، فلا تعتبره هويَّةً مهنيَّةً، أو عملاً، بل جزءاً من حياتك يحقِّق لك وجودك.
اطلع أيضاً: دور الميول في تحديد الشَّغف المهني
ماهو الشَّغف؟
من المؤكَّد أنَّنا سمعنا في وقتٍ ما، أو ربَّما في أوقات كثيرة العبارة التّالية: “Find your passion” أو بالعربيَّة: “اتّبع شغفك” أو “ابحث عن شغفك”، قبل الخوض في تعريف الشّغف، ومعرفة مدى صحَّة العبارات السَّابقة لابدّ لنا من العودة إلى السِّياق التَّاريخيِّ واللّغوي لمصطلح الشّغف، وذلك لنتمكَّن من تعريفه بشكلٍ صحيحٍ بما يتوافق مع استخداماته المعاصرة في عالم الأعمال.
السياق التاريخي واللغوي لمصطلح الشغف
استخدام مصطلح “الشَّغف” في مجال العمل ليس استخداماً قديماً، إنَّما برز بشكلٍ لافتٍ بعد الخطاب التَّحفيزيِّ الشَّهير الذي قام به “ستيف جوبز” مؤسِّس شركة “آبل” خلال حفل تخريج دفعةٍ من طلَّاب جامعة “ستانفورد” العريقة في الولايات المتَّحدة الأمريكيَّة، إذ كان يوجّه الطُّلاب في خطابه إلى أهمِّية أن يعملوا في المجالات التي يحبّونها، وأشار إلى ذلك في عباراتٍ عديدةٍ ليؤكِّد على أنَّه يتوجّب عليهم اتِّباع شغفهم، أو السَّير وراء حدسهم، أو ما يحبِّونه، ومن ذلك العبارة التي قال فيها: “معظم ما صادفته كان نتيجة اتِّباعي لفضولي وحدسي، وقد تبيّن في وقتٍ لاحقٍ أنَّه لا يُقدَّر بثمنٍ” وكذلك قوله: “يجب أن تجد ما تحبَّه”
بعد ذلك أصبح استخدام كلمة الشّغف “Passion” شائعاً بشكلٍ كبيرٍ جدَّاً في نطاق العمل، والمسار المهنيّ، وحتّى في السّياق اللغوي لا نجد أنَّ كلمة الشَّغف تستخدم في نطاق العمل باللغة العربيَّة بقدر استخدامها في نطاق العلاقات، ولذلك سنحاول تعريف الشَّغف كما يُستخدم بكونه مصطلحاً في نطاق العمل والمسار المهنيّ.
الشّغف: هو أن تكون محبَّاً لعملك الذي تقوم به لدرجةٍ عاليةٍ جدّاً، تدفعك إلى التّفاني في ذلك العمل لدرجةٍ تُسمّى فيها شغوفاً بالعمل. سننطلق الآن لنناقش فكرة حبّ العمل عن قربٍ، وذلك لنعرف ما المقصود بالضَّبط بحبّنا للعمل، وكيف يمكن أن نعدَّ أنفسنا محبِّين للعمل.
في الحقيقة لا تأثير للعمل نفسه في حبّنا له، ولكن التَّأثير الأكبر هو لكيفيّة قيامنا بذلك العمل، لذلك يُستحسن أن نسأل عن العمل بـ “كيف نعمل؟” بدلاً من أن نسأل عنه بـ “ماذا نعمل؟”
فحبّنا للعمل يتعلّق بشكلٍ مباشر بطريقة قيامنا بالعمل، والتي من الممكن أن تؤدّي إلى حبِّ العمل، أو ربّما كرهه، ولذلك من الضَّروري أن نفهم أنَّه من الخطأ الحكم على عملٍ ما أنَّنا نحبّه قبل أن نجرِّب العمل فيه، إذ لا يمكننا الحكم على حبّنا لأيِّ نوعٍ من الأعمال لمجرَّد اهتمامنا بها، فالاهتمام لا يمكن أن يساهم بالحكم الصَّحيح بقدر ما نحتاج إلى تجربة العمل عن قربٍ، ولمدَّةٍ زمنيَّةٍ كافيةٍ يجب ألّا تقلّ عن ثلاثة أشهرٍ من التَّعرّف إلى العمل بشكلٍ دؤوبٍ، وذلك استناداً إلى المصادر الموثوقة التي تمنحنا المعلومات الدَّقيقة حول العمل، وليس مجرّد الاكتفاء بما نسمعه عن العمل من الأشخاص الذين يعملون به، ويحبّونه فعلاً، ثمّ بعد ذلك يترَتّب علينا خوض التَّجربة الكافية في هذا العمل لتجنُّب الحكم السَّريع، إذ يقع الكثيرون في فخِّ الحكم السَّريع على الأعمال التي يعدّون أنفسهم شغوفين بها، ثم يتبيّن لهم لاحقاً أنَّ هذا الحكم كان خاطئاً، ليبحثوا عن عملٍ جديدٍ بالطَّريقة ذاتها، والتي تؤدِّي في الغالب إلى نتائج شبيهةٍ.
الشغف تعريفاً
استناداً إلى الكلام السّابق، يتبيّن لنا أن الشّغف ليس سبباً للعمل بل هو نتيجةٌ له، فالشّغف لا يمكن أن يبدأ بلحظةٍ من الزَّمن، وإنَّما هو نتيجة ممارسة شيءٍ ما، وبذل جهدٍ فيه، وبالتَّالي يتكون لدينا شغفٌ في ذلك الشَّيء لما نحصل عليه من عوائد ربَّما تكون عوائد مادِّيَّة ملموسة، أو عوائد معنويَّة غير ملموسةٍ تدفعنا إلى الاستمرار في العمل، والتعلّق به، فبقدر ما نستثمر في العمل، ونلتزم به؛ بقدر ما نحصل على عوائد، وإنجازاتٍ تحفّز لدينا شغف الاستمرار بهذا العمل.
ومنه فإنَّ الشَّغف لا يمكن اعتباره بحالٍ من الأحوال نقطة انطلاقٍ للعمل، واستثمار المهارات، بل هو نتيجةٌ لاستثمار مهاراتنا في العمل، وعليه فإنَّ الخطأ الكبير في عبارة “Find your passion” يكمن في كلمة “Find”، لأنَّ الشّغف لا يمكن إيجاده إنَّما يتوجّب علينا بناؤه من خلال العمل، وتنمية المهارات.
كيف تستخدم شغفك في بناء مسار مهني ناجح؟
في الحقيقة لا يمكن فصل الشّغف عن المسار المهنِيّ، أو بمعنى أدقّ، لا يمكن أن نعدَّ الشّغف، والمسار المهنيّ شيئين مستقلَّين عن بعضهما البعض، وذلك لأنَّهما متراكبان بشكلٍ معقّدٍ، ويصعب الفصل بينهما، ومن الجدير بالاهتمام العودة إلى الظّروف التي جعلتنا نحبُّ العمل في مجالٍ ما، وبمعنى أدقّ الظُّروف التي جعلتنا نعتقد أنَّنا نحبُّ القيام بعملٍ ما، وصنعت لدينا اهتماماً بذلك العمل، ففي الحياة المهنيَّة تمَّ توجيهنا بشكلٍ غير واعٍ سواء من قبل الأهل، أو المجتمع، أو حتَّى الجامعة نحو الاهتمام بمجالات عملٍ محدّدةٍ دون أن ندرك ما هو الشَّيء الذي نحبّه فعليّاً، لذلك علينا أن نعرف بشكلٍ موضوعيٍّ ودون انحيازٍ ما هي الأشياء التي من الممكن أن نحبّها بشكلٍ حقيقيٍّ.
في البداية من المهمّ جدّاً أن نهتمَّ بالمهارات التي تتيح لنا خيارات متعدّدةٍ في العمل، ومن ثمّ علينا الاستثمار في أنفسنا من خلال إتقان تلك المهارات بالشَّكل الأمثل، سيجعلنا ذلك قادرين على القيام بتجربةٍ، واختبار الأعمال عن قرب بدلاً من مجرّد التعرّف إليها من خلال الآخرين، ثمّ نستطيع اكتشاف مدى حبّنا للعمل الذي قمنا بتجربته، و معرفة مدى ملائمته لنا، وكذلك مدى شغفنا به.
اختبارات تحديد الميول المهنية
من الجميل أنه من المتاح لك القيام ب اختبار تحديد الميول عبر مجموعة من الاختبارات لتحديد ميولك المهنية التي من خلالها تتوضح الصورة أمامك أكثر. من أهم هذه الاختبارات
- اختبار تحديد الميول المهني mbti
- اختبار هولاند Holland
- اختبار Strengths Profile
أفكار عن الشغف من كتاب The Element
عند الحديث عن البحث عن الشَّغف في المسار المهنيّ، نحاول أن نستحضر بعض الأفكار من الكاتب “Ken Robinson” في كتابه الشّهير “The Element” أي “العنصر”، والذي يرى فيه أنّ علينا البحث عن العنصر الخاص بنا بدلاً من البحث عن الشَّغف.
يقصد بالعنصر أنَّه تلك النّقطة التي تلتقي فيها الموهبة الطَّبيعيَّة بالشَّغف الشَّخصيِّ، ويعني بذلك أنَّ العنصر هو ذلك الشَّيء الذي تجيده، وتحبُّ فعله في ذات الوقت، ويوضِّح ذلك بقوله:
“Your element has two important features: Aptitude and Passion”
يعتقد الكاتب أن لكلٍّ منَّا العنصر الخاصّ به، ويقوم بتحليل مجموعةٍ من القصص الخاصَّة بتجارب الأشخاص النَّاجحين، ومن ثمَّ يقوم بربط نتائج تلك التّحليلات بمفهوم العنصر، ثمَّ ينتهي إلى النَّتائج التَّالية:
1. لكلٍّ منَّا عنصرٌ واحدٌ على الأقلِّ، وقد يكون للبعض مجموعةٌ متعدّدةٌ من العناصر.
2. من الممكن أن تعمل في مجالٍ مغايرٍ للعنصر الخاصِّ بك، لا بأس في ذلك ما دمت قادراً على تنمية العنصر الخاصِّ بك كهوايةٍ.
3. عندما تعثر على العنصر الخاصِّ بك، فلا يعني ذلك أنَّه لن تكون لديك صراعاتٌ، أو حتّى إحباطات، ولكن بخلاف ممارستك للأنشطة الأخرى، فإنَّك عند ممارسة الأنشطة المتعلِّقة بالعنصر الخاصِّ بك ستشعر بالرِّضا حتّى عند التَّعامل مع المشكلات.
4. الأشخاص الذين استطاعوا الوصول إلى العنصر الخاصِّ بهم يعدُّون أكثر إلهاماً من غيرهم، ويحقِّقون مستوياتٍ أعلى في العمل.
اطلع أيضاً: السعادة المهنية بين الحلم والحقيقة
كيف تحدد المهارات التي تحتاج إلى تنميتها واستثمار وقتك بتعلُّمها؟
الحقيقة أنَّ السّوق هو الذي يحدّد المهارات الهامَّة، والمطلوبة في كلّ فترةٍ زمنيَّةٍ، ولكن تبقى هناك بعض الثّوابت التي يمكن البناء عليها، ونعني بتلك الثَّوابت مجموعة المهارات الضَّرورية في كافَّة الأوقات والأعمال، والتي نحتاج إليها في عمليَّة تعلّم المهارات التَّخصّصيّة في الأعمال التي تشكّل مسارنا المهنيِّ لاحقاً، ويمكن تقسيم هذه المهارات إلى قسمين أساسيَّين هما:
1- المهارات السَّلوكية “Behavioral Skills”
ويطلق عليها أيضاً “Soft Skills”، وربّما تكون هذه التَّسمية غير صحيحةٍ لأنّ هذه المهارات تعدُّ من المهارات الصَّعبة التي تحتاج إلى مدّةٍ زمنيّةٍ طويلةٍ لتعلّمها، كما أنَّ تعلّمها لا يتمُّ إلا بالممارسة وتراكم الخبرة، إذ يمكن عدّ هذه المهارات من المهارات القيادية “Leadership Skills”، ومن أهمّها: مهارات الاتِّصال، والتَّخطيط، ووضع الأهداف ،ومهارات الذَّكاء العاطفيِّ.
2- المهارات التّقنيّة “Technical Skills”
ويمكن أن نطلق عليها المهارات التَّحليليَّة، مثل مهارات حلِّ المشاكل، والتّفكير النّاقد، واتِّخاذ القرارات، وهذا النَّوع من المهارات هو الذي يميِّز الشَّخص في بيئة العمل، لأنَّه يمكن أن يُعدَّ من “القدرات” التي يمتلكها الشّخص من خلال وقتٍ طويلٍ من الممارسة والتعلُّم، كما أنّها تصبُّ فيما يمكن اعتباره “Career Capital” للشّخص، أو ما يمكننا أن نسمّيه رأس المال المهنيّ.
كيف تبحث عن شغفك في أعمالك المختلفة؟
من الضَّروري طرح هذا السُّؤال بعد الحديث عن تنمية المهارات، والحاجة الملحَّة لتجربة العمل، لعدم الوقوع في إطلاق أحكامٍ مستعجلةٍ، وغير دقيقةٍ، ولكن كيف نستطيع معرفة أنّنا شغوفون بعملٍ ما بعد تجربته بالفعل؟ الإجابة بسيطةٌ: “ابحث عن الغاية بدلاً من الشّغَف!” ببساطةٍ شديدةٍ، الغاية هي ما يدفعنا إلى العمل والتّضحية وربَّما المعاناة في سبيل الوصول إلى ما نريد ونرغب، وليس حبّ ما نقوم به دوماً.
لتوضيح هذه الفكرة بشكلٍ أفضل سنقدّمِ مثالاً بسيطاً من ممارسة الرّياضة:
لو افترضنا أنّنا نمارس الرّياضة للحفاظ على صحتنا، ولتجنُّب بعض الأمراض التي قد تصيبنا في المستقبل، فهذا يعني أن نتحمَّل مشقَّة ممارسة الرّياضة، والتَّعب الذي يصيبنا خلالها -مادياً أو معنوياً- في سبيل تجنّب الأمراض، في المقابل لن نتحمّل كلَّ تلك المشَقّات وذلك الألم لمجرّد أنَّنا نحبُّ الرِّياضة، أو نحبُّ التَّواجد في نادي الرِّياضة مع الأصدقاء، وفي حال وجود ذلك الحبّ فعلاً الذي نعدّه عاملاً مساعداً على تحمُّل الألم في سبيل الغاية، ولكنَّه ليس السَّبب الذي نتحمَّل الألم من أجله. وعليه قد نضطَّر إلى البقاء في مهنةٍ ربَّما لا نحبَّها كثيراً، ولكنَّنا نعمل بها بسبب وجود غايةٍ، أو هدفٍ من الممكن أن يكون انتقالاً إلى مشروعٍ آخر، ولكن ذلك المشروع بحاجةٍ إلى غطاءٍ ماديٍّ توفّره لنا تلك المهنة، ولهذا نتألّم في سبيل الهدف، أو الغاية، ولسنا نعمل ما نحبّه فحسب!
وفي تفسير ماهيَّة الألم ودوره في دفعنا إلى إنجاز المزيد، نستعرض بعضاً مما كتبه “مارك مانسون” في كتابه “فن اللامبالاة” حول مفهوم الألم:
- “الألمُ مفيدٌ لنا بقدر ما نكرهه”
- “تعلّم كيف تتحمّل الألم الذي تختاره، عندما تختار قيمةً جديدةً فإنّك تختار إدخال نوع جديد من الألم إلى حياتك، استمتع بهذا الألم، تذوَّقه، افتح ذراعيك مُرحِّباً به، ثمَّ افعل ما قرَّرت فعله مُرحّباً بوجود الألم.”
- “ما الذي تريد أن تستمتع به؟” يسهب “مانسون” في فكرة أنَّ ما يقرِّر نجاحك ليس الإجابة عن سؤال: بل الإجابة عن الأسئلة المتعلّقِة بالألم.
- “ما الألم الذي تريده في حياتك؟ وما الذي تظنُّ أنَّك مستعدٌّ للكفاح من أجله؟ وأيضاً، ما هو الألم الذي ترغب في تحمّله؟”
ونتيجة لما سبق نستلهم المعنى لمقولة الفيلسوف، وعالم النّفس الأمريكيّ “وليام جيمس”:
“الألم هو مفتاح الإبداع، وطريق العبقريَّة”
هل هناك حلولٌ عمليّةٌ لتحديد ما الذي يجب أن تعمل فيه بالضَّبط؟
بالعودة إلى تعريفنا للمسار المهنيّ، تحدّثنا أنَّ المقصود بالمسار المهنيّ هو ذلك العمل الذي يعدًّ مصدر دخلٍ بالنّسبة لنا، وبناءً عليه فإنَّ الموضوع يرتبط بمجموعةٍ من العوامل، ويعدُّ المال من أهمِّ تلك العوامل، ولتوضيح الأمر بشكلٍ أكبر، لا بدَّ من معرفة أنَّ النَّاس ينظرون إلى المال من وجهات نظرٍ مختلفةٍ، وبشكلٍ نسبيٍّ، فالبعض يرى للمال الأهميَّة الكبيرة في مجال العمل، والبعض الآخر لا يرى له أهميّةً كبيرةً مقارنةً بأهمِّية بيئة العمل، ومدى الرَّاحة أو الرِّضا الذي توفِّره له، وقد نجد من يعمل في مهنةٍ يحصل منها على قدرٍ جيّدٍ من المال، ولكنَّ ذلك العمل ليس من الأعمال التي يرى أنَّ له خبرةً، واسعةً فيها، وعليه نستعرض حقيبة الأعمال “Portfolio Of Jobs”.
مكونات حقيبة الأعمال
تتكوّن من ثلاثة أنواع من العمل على النَّحو التَّالي:
1- Money Market
هو العمل الذي نتكسَّب من خلاله المال اللازم، والكافٍ لسدِّ النَّفقات، وتحمُّل أعباء المعيشة.
2- Impact Market
هو العمل الذي نؤثِّر من خلاله في المجتمع، و نترك بصمةً لنا في حياة الآخرين من حولنا.
3- Expression Market
وهو ذلك النّوع من العمل الذي نؤدِّيه بهدف التَّعبير عن ذواتنا، فهو يعدُّ امتداداً لشخصيَّتنا وأفكارنا، ولذلك نجد أنَّ أكثر الأشخاص الذين يعملون ضمن هذا النّطاق هم الكُتَّاب، أو الفنَّانون مثل الرسَّامين، والموسيقييّن وغيرهم.
العوامل التي تحدد في ضوئها العمل الذي تريده
لنتمكّن من الموازنة بين الأنواع الثّلاثة من الأعمال السَّابقة علينا أن نختار ما الذي نريد عمله في ضوء المحدّدات الثّلاثة التّالية:
- حاجة السّوق: وهي ما يحتاجه العالم، وما يمكن أن يؤدِّي إلى دخلٍ ماديٍّ، فكلّما كان العمل الذي نقوم به يحقِّق دخلاً ماديّاً أكبر كانت له قيمةٌ أكبر في السّوق، والعكس بالعكس.
- الكفاءة: ويقصد بها المهارات، والقدرات التي نمتلكها، والتي تلبِّي بدورها حاجة السُّوق، ولذلك يجب علينا معرفة المهارات والقدرات التي نمتلكها فعلاً، وذلك لتنميتها بما يتوافق مع حاجة السُّوق، ومن الجدير بالذّكر أنَّنا لسنا بحاجةٍ للبدء من الصِّفر في كافَّة الأوقات، بل علينا أن ننقِّب عن نقاط قوَّتنا ومهاراتنا الموجودة فعلاً، لاستثمارها بما يعود علينا بالفائدة في أقصر وقتٍ ممكنٍ.
- المتعة: وهنا نشير إلى الحبِّ، والشّغف، وهو ما يجعلنا نعمل باستمرارٍ دون مللٍ، ومن الضّروري مقارنة العوامل السّابقة مع بعضها البعض، فمن الممكن أن نحبّ عملاً معيَّناً، ولكنَّه لا يحقِّق لنا دخلاً مادّيّاً، وقد نمتلكك مهارةً ما، ولكنّها ليست ذات قيمةٍ سوقيّةٍ.
إنّ القدرة على صناعة مزيجِ متجانسٍ، ومتوائمٍ بين المحدّدات الثّلاثة السَّابقة، يجعل اختيارنا لمسارنا المهنيِّ أكثر وضوحاً، كما يُعزّز لدينا معرفة الأعمال التي نستطيع اختبارها بدقّةٍ، دون هدر الكثير من الوقت، والجهد في تجارب غير مناسبةٍ لنا.
اطلع أيضاً: بناء المسار المهني
خدمات نيوفيرستي في الجمع بين الشغف وتحديد المسار المهني
- برامج الاستكشاف والتوجيه المهني
- برامج التدريب المتخصصة
- تقنيات التكنولوجيا الذكية في البرامج التدريبية والتوجيه المهني
- جلسات استشارية وملاحظات فردية لتقييم تقدم المشاركين ومساعدتهم في تحقيق أهدافهم المهنية.
نيوفيرستي الخيار الأفضل في السوق العربية لتحديد المسار المهني
نيوفيرستي هي بلا شك الخيار الأفضل مع برامجها المبتكرة والتقنيات التكنولوجية المتقدمة التي تساعد الأفراد على اكتشاف شغفهم وتوجيهه في اتجاهٍ مهنيٍّ ناجح. وبفضل سمعتها ونجاحاتها المستمرة تعتبر خياراً استثنائياً لتحديد المسار المهني في السوق العربية.
أخيراً، من المهمّ جدّاً أن ندرك أنّنا نعيش في عالمٍ متغيّرٍ بشكلٍ متسارعٍ، فقدرتنا على الوصول إلى المسار المهنيِّ المناسب الذي قد نستثمر به طاقتنا وجهدنا، و الذي يحقّق لنا دخلاً ماديّاً جيّداً، ليست بأكثر أهمِّيّة من قدرتنا على التخلِّي عن كثيرٍ ممّا تعلّمناه في الماضي، وذلك في سبيل تعلُّم أشياء جديدةٍ تناسب التَّغيّرات التي تطرأ على عالم الأعمال، فربّما ما تعلَّمناه في الماضي، ونعمل به اليوم لن يكون ذا أهميَّة كبيرة في المستقبل، وهذه نتيجةٌ لحقيقة أنّ َعالمنا ليس عالماً ثابتاً.