يصبغ الطابع الرقميّ -دون أدنى شكّ- عصرنا الحالي بصبغته المميّزة، على نحو مشابه لما جرى في عصر الثورة الصناعيّة، والمحظوظ هو من ينجح في مواكبة هذه الثورة الرقميّة المتسارعة في تغييراتها، ما يعني تمتّعه بمكاسب منقطعة النظير على المستويين الشخصيّ والمهنيّ على حد سواء؛ نتيجة “التحوّل الرقميّ” المفهوم الذي برز مؤخراً ليعبّر عن كلّ أشكال المواكبة للتغيّرات الرقميّة، وزيادة الإنتاجية والسرعة في الأداء مع الجودة العالية.
نغطّي في مقالنا اليوم مفهوم التحوّل الرقميّ، والمنافع التي ينطوي عليها على مستوى الأداء في مختلف القطاعات، مع التحدّيات التي يواجهها، ثم نتطرُّق إلى أنجح استراتيجيات تطبيق التحوّل الرقميّ، وأهم تقنياته في كلّ من قطاعي التعليم وريادة الأعمال،
مفهوم التحوّل الرقميّ
ما السبيل إلى تنفيذ المهمّات بسرعة وجودة عالية بعيداً عن الطرق التقليديّة؟ الجواب هو “التحوّل الرقميّ”. ولكن كيف؟ التحوّل الرقميّ: هو عملية قائمة على استبدال التكنولوجيا الرقميّة بممارسات وأساليب العمل التقليديّة داخل المؤسسات، من خلال اعتماد التكنولوجيا بالكامل في تنفيذ المهمّات، وتيسير أعمال الشركات والمؤسسات والتعاملات مع أطراف المصلحة.
ولكن يُعتقد خطأً- أنّ هذا التحوّل يقتصر على استخدام بعض البرامج الرقميّة في تنفيذ المهمات الروتينية، والحقيقة أنّ التحوّل الرقميّ هو تغيير جذري في آلية العمل يتبنّى التقنيات الرقميّة بالكامل، وينهي الأعمال الروتينية بصورة كاملة.
متطلبات التحوّل الرقميّ
يهدف التحوّل الرقميّ إلى الوصول إلى تلبية الاحتياجات، وتنفيذ المهمات الروتينية اليومية بوتيرةٍ أسرع، وجودة أعلى من خلال زيادة الكفاءة في خط سير العمل داخل المؤسسات على نحو تقلّ معه الأخطاء، وتزداد الإنتاجية.
يتطلب تحقيق ذلك أمرين رئيسين:
- وضع استراتيجية شاملة في ضوء الوضع الحاليّ، وتحديد الفجوة في عملية الانتقال المطلوبة إلى الرقمنة، وأخيراً تطبيق الاستراتيجية بشكل عمليّ مع مراقبة الأداء والتقييم بصورة مستمرّة.
- إجراء تغيير جذريّ في الذهنية المُنظِّمة للعملية -أصعب مراحل هذه العملية التي تنظّم العمل- من خلال توضيح الصورة بلحاظ المنافع والمكاسب التي تترتب عليها عملية التحوّل هذه، ونشر ثقافة القبول والتبنّي لهذا التحوّل.
فوائد التحول الرقمي
لا تقتصر المكاسب التي يحقّقها التحوّل الرقميّ على التوفير في الجهد والوقت، وتسريع جودة العمل ووتيرته، وتيسير الحصول على الخدمات، بل ثمة فوائد أخرى تحققها المؤسسات نستعرضها في هذه الفقرة:
- توفير مساحة أكبر للإبداع، والخروج بأفكار من خارج الصندوق في تقديم الخدمات وأداء المهمّات، وتحقيق فرص للتوسّع والوصول إلى جمهور أوسع إقليمياً وعالمياً.
- تقليل الهدر والحدّ من النفقات، بسبب أتمتة الإجراءات الروتينية، وتنظيم سير العمل ورفع كفاءته.
- تسهيل عملية جمع البيانات المتعلقة بجوانب العمل، وتحليلها وتنسيقها على نحوٍ يسهم في تحسين أداء العمل، ورفع جودة الخدمات المُقدَّمة. وتوظيفها في تحقيق فهم أكبر للجمهور المُستهدَف، وخلق الولاء لديهم بأقل تكاليف ممكنة.
- تشجيع الابتكار والإبداع، وخلق فرص عمل ذات طابع إبداعي وابتكاريّ، خلافاً للتفكير السائد حول خسارة فرص العمل بسببه.
تحديات التحوّل الرقميّ
تتنافس المؤسسات والشركات في الوقت الحالي من أجل تحسين أدائها وزيادة أرباحها؛ الأمر الذي أصبح أسهل مع تطبيق التحوّل الرقميّ، ولكن هذا التطبيق لا يبدو أمراً بسيطاً مع التحديات التي تقف في وجه تنفيذه، ومن أهمها:
1. العقلية السائدة في المؤسسات:
يشكّل نمط التفكير السائد داخل المؤسسات بمختلف أشكالها التحدّي الأكبر في وجه التحوّل الرقميّ، متمثلاً في رفض أي شكل من أشكال التغيير، وأيضاً الفهم الخاطئ لمعنى هذا التحوّل، والاعتقاد أنّه مجرد تطوير للأدوات المُستخدَمة.
فأي تغيير رقميّ لا تصاحبه مرونة في نظام العمل وتغيير في ثقافة المؤسسات وعقليتها، لا يعدّ تغييراً حقيقياً؛ ولهذا فالتركيز الأكبر ينصبّ على اجتثاث نمط التفكير التقليديّ، واستبداله بعقلية أكثر مرونة وانفتاح.
2. نقص الكفاءات الرقمية وضعف إدارتها:
تأتي أيضاً مشكلة نقص الكفاءات القادرة على التعامل مع التكنولوجيا، وضعفها في إدارة العملية؛ والتغلب عليها يحتاج إلى تشكيل فريق من المختصين وأصحاب الكفاءات بتكنولوجيا المعلومات، مع بداية اتخاذ القرار في عملية التحوّل، وفي هذا الشأن قدمت مؤسسة نيوفيرسيتي التعليمية العديد من الدورات التدريبية حول كيفية التعامل مع التقنيات الرقمية وتوظيفها الفعال في زيادة الإنتاجية للعديد من المؤسسات، وعلى وجه الخصوص المؤسسات التعليمية، يمكنكم الاطلاع على ما تقدمه نيوفيرسيتي فيما يخص تطوير خدمات المؤسسات التعليمية والتواصل معنا لتقديم المساعدة اللازمة لك.
3. الأمان الرقميّ
يشكّل أمن المعلومات هاجساً حقيقياً يؤرّق القائمين على هذا التحوّل، ولا سيما مع التغيّرات المتسارعة، والتي تزداد تعقيداً مع مرور الوقت؛ ما يعني أنّ النجاح في دمج التكنولوجيا الرقميّة يتطلب أن يصاحبه على التوازي تحوّلٌ في الجانب الأمني، يضمن سرية المعلومات، ويكون صعب الاختراق.
4. الميزانية
يقيّد ضعف الميزانية أي عملية تغيير، ولذلك من الأفضل تنفيذ عملية التحوّل الرقميّ بصورة تدريجية، وفق دراسة دقيقة تغطّي الوضع الماليّ بدقّة، وتسير بعملية التحوّل إلى الرقمنة بسهولةٍ وكفاءةٍ.
استراتيجيات التحوّل الرقميّ
1. الاستثمار في أكثر التقنيات فاعلية:
تبدأ عملية التحوّل الرقميّة الناجحة من اختيار التقنيات الرقميّة المناسبة التي تساعد في عملية بناء القيمة، أي تحسين الكفاءة في أداء العمل نتيجة المعرفة الدقيقة بهذه التقنيات ووظائفها وكيفية الاستفادة منها.
2. توظيف المواهب التنافسية التي تتلاءم مع متطلبات العصر:
يرتكز التحوّل الرقميّ على وجود أصحاب خبرة في عالم التكنولوجيا، ممّن يمتلكون المهارات والمعرفة اللازمة لإدارة هذا التحوّل بكفاءة عالية، ما يعني أن تقوم عملية الاختيار بناءً على امتلاك المهارة الرقميّة، والموهبة التي يطلبها سوق العمل.
3. تطوير أنظمة رقميّة سهلة الاستخدام:
ليس الهدف من عملية التحوّل الرقميّ هو إدخال التقنيات الرقمية بصورة عشوائية، بل بطريقة تضمن تقليل الجهد وزيادة الإنتاجية بجودة عالية؛ الأمر الذي يتحقّق بحسن اختيار التقنيات الجديدة، أو تطوير التقنيات المتاحة من حيث سهولة الاستخدام والفاعلية في معالجة الأخطاء.
4. تشكيل فرق البحث والتطوير لأنظمة التحوّل الرقميّ:
من الاستراتيجيات الأساسية لنجاح عملية التحوّل هو تشكيل فرق خاصة بالبحث والتطوير، مهمّتها تحديث التقنيات المستخدمة بصورةٍ مستمرةٍ من أجل مواكبة متطلبات السوق، وفهم التقنيات المتاحة لاستخدامها بكفاءة أكبر وتزداد مع توظيف مفهوم الاقتصاد السلوكي وتوظيف تقنياته، الجانب الذي تحرص نيوفيرسيتي على توفيره لتحقيق أفضل النتائج مع عملائها من خلال توظيف التدخلات السلوكية في الخدمات التي تقدمها.
5. حضور الندوات والمؤتمرات المتعلقة بالتحوّل الرقميّ:
تعدّ المؤتمرات والندوات فرصة غنية للتعرُّف إلى التحوّل الرقميّ، من خلال الاطلاع على الأفكار والاستراتيجيات المتاحة، وبناء شبكة علاقات مع أشخاص محترفين وأصحاب خبرة في هذا المجال.
6. تدريب الموظفين على استخدام تقنيات التحوّل الرقميّ بشكل صحيح:
يتمثّل أحد جوانب التحوّل الرقميّ في تدريب الموظفين على كيفية عمل هذه التقنيات؛ ويعدّ هذا الجانب ذا أولوية لقيادة عملية التحوّل الرقميّ إلى النجاح، فلا يمكن أن تتحقّق الفائدة من التقنيات الجديدة كالروبوتات والذكاء الاصطناعيّ دون تقديم التدريب المناسب لمن يستخدمها.
7. تنمية القدرة على تشخيص وتصوّر استراتيجيات التحوّل الرقميّ:
تتصدّر استرايتجية بناء الذهنية الاستراتيجيّة ما سبق من ممارسات؛ لكونها تعطي رؤيةً واضحةً للخطوات التي ستُنفَّذ، والتقنيات التي ستُستخدم في عملية التحوّل الرقميّ، ويعدّ امتلاك القدرة على التفكير الاستراتيجيّ مهارةً ثمينةً؛ لأهميتها الكبيرة في قيادة التحوّل الرقميّ بكفاءة.
تقنيات التحوّل الرقميّ
1- الهواتف الذكية:
تحوّلت الهواتف الذكية من مجرد أداة تواصل إلى أداة رقميّة متاحة دوماً، بعدد كبير من الميزات والوظائف الممكنة. لذلك أصبحت الهواتف الذكية خياراً لا غنى عنه للمؤسسات، تعزّز وجودها من خلالها للوصول إلى جمهورها، وذلك من خلال إطلاق تطبيقات على الهواتف الذكية. وتشير بعض الإحصائيات إلى أنّ 81% من الشركات ترى أنّ الهواتف الذكية هي تقنية استراتيجية هامة لنشاط أعمالهم.
2- الحوسبة السحابيّة:
ما يزال التخوّف من استخدام الحوسبة السحابيّة قائماً لدى العديد من المؤسسات، لأسباب ومبررات مختلفة تتنوّع بين نقص الكفاءة الرقميّة إلى المخاوف الأمنية وغيرها، ولكن الحوسبة السحابيّة أثبتت فعاليتها مع مرور الوقت؛ بفضل المرونة العالية التي تمتاز بها، وهذه المرونة تنعكس إيجاباً على سهولة إنجاز المهمات وسرعتها.
3- إنترنت الأشياء IoT
يحقّق وصل الأجهزة بالتقنيات الرقميّة المتاحة والمتجدّدة بصورة متسارعة فائدة عظيمة للمؤسسات على مستوى الخدمات والعمليات التي تطبقها. إذ إنها تُسهِّل عليها تحقيق أهداف التحوّل الرقميّ مثل: زيادة الكفاءة والمرونة في الاستجابة السريعة لاحتياجات السوق الجمهور.
4- الروبوتات:
تشكل الروبوتات ثورة في عالم التكنولوجيا الرقميّة التي يترتّب عليها تحقيق كفاءة تشغيلية عالية؛ نتيجة القدرة على توظيف هذه الروبوتات في أداء العمليات التي تتطلب مستويات عالية من الدقة، وفي رفع مستوى الأفراد المسؤولين عن أداء مثل هذه المهمات.
5- الذكاء الاصطناعي:
يقدم الذكاء الاصطناعي فرصة ذهبية في تطوير حلول المشكلات وابتكار طرق جديدة للتعامل معها، مع تزايد استخدام أجهزة الحاسوب ووسائل التواصل بالإضافة إلى توفّر كم كبير من المعلومات وسهولة الوصول إليها.
في الختام، أصبح البدء في استخدام التقنيات الرقمية ودمجها في آلية سير العمل باتجاه التحوّل الرقميّ الكامل ضرورة ملحة تفرض ذاتها مع عالم اليوم سريع الخُطا الذي ينادي بمفاهيم الابتكار والكفاءة والتنافس والإنتاجية. ولكن المحاولات ما تزال خجولة، إلا أنها واقع بدأت نتائجه تظهر للعيان رغم التحديات التي تعترض طريقه. ويبقى السؤال: كيف يمكن التغلب على هذه التحديات؟ وما الحلول الممكنة لفعل ذلك؟ شاركنا رأيك في التعليقات.