لم يعد عالمنا المعاصر يلائمه الاقتصاد في حلته التقليدية، وبات يتطلب منه الفهم والتعرُّف عن قرب إلى طبيعة السلوكيات التي تتخذها المجتمعات والأفراد على حد سواء، وهنا تأتي أهمية الاقتصاد السلوكي في حل هذه المعضلة من خلال دراسة العوامل النفسية والاجتماعية التي تتداخل في عملية اتخاذ القرارات الاقتصادية وتلعب دوراً حاسماً في تشكيل الاختيارات الاقتصادية.
في هذا المقال، نسلِّط الضوء على الأسباب وراء الأهمية المتزايدة للإلمام بالاقتصاد السلوكي، ودوره في توضيح الجوانب النفسية والاجتماعية لاتخاذ القرارات الاقتصادية، وكيف يمكن أن يساهم في تحسين فهمنا للسلوك الاقتصادي من أجل وضع استراتيجيات أكثر شمولية وفعالية في اتخاذ القرار كات الاقتصادية المستقبلية.
لماذا نحتاج الاقتصاد السلوكي في حياتنا؟
نلخص هذه الحاجة في نقطتين رئيسيتين نتوسع فيهما في السطور القادمة:
- يركز الاقتصاد السلوكي على فهم القرارات الاقتصادية للأفراد وتداعياتها على جوانب مختلفة من الاقتصاد، مثل العوائد وتوزيع الموارد وأسعار السوق والقوى السوقية، إذ يجمع الاقتصاد السلوكي بين عناصر الاقتصاد وعلم النفس البشري لفهم السلوك البشري.
- نحتاج إلى الاقتصاد السلوكي لفهم الدوافع وراء القرارات اليومية للأفراد من حولنا سواء كانوا عملاء أو غير ذلك، وتزداد أهميته لكونه قابل لدمج تقنياته في جميع القطاعات
اطلع أيضاً: تطبيقات الاقتصاد السلوكي
مقومات الاقتصاد السلوكي
يهدف الاقتصاد السلوكي إلى فهم الدوافع الكامنة وراء التصرفات الاقتصادية وتوقعها من خلال تحليل العوامل النفسية، مثل التحيزات الإدراكية والتوقعات الشخصية، ويركز أيضاً على العوامل الاجتماعية، مثل التأثيرات الاجتماعية والثقافية والتفاعلات الاجتماعية في اتخاذ القرارات الاقتصادية.
أهمية الاقتصاد السلوكي
تنبع أهمية الاقتصاد السلوكي الرئيسية من كونه يهتم -بدرجة كبيرة- في توضيح سلوك الأفراد والشركات، وتحليل سوق العمل وتفاعلاته. فبفضل هذا الاقتصاد القائم على دراسة العوامل النفسية والاجتماعية، أصبح الباحثون والمحللون قادرين على اكتشاف الدوافع والانحيازات السلوكية والعوامل الخفية وراء القرارات الاقتصادية للأفراد، والذي ساعد -بدوره- الحكومات والمؤسسات على اتخاذ إجراءات وسياسات اكثر فعالية في تنظيم أسواقها وتعزيز تنميتها الاقتصادية.
ونستعرض في هذه الفقرة أهم النواحي التي تنعكس فيها أهمية الاقتصاد السلوكي:
1- فهم سلوك المستهلكين:
لتحقيق النجاح والتفوق في السوق اليوم، أنت -كمؤسسة أو شركة- تحتاج إلى استهداف جمهورك بدقة، ثم تحليل سلوكياته وتحديد الدوافع وراءها، وهنا يأتي دور الاقتصاد السلوكي في مساعدتك لفهم جمهورك بشكل أفضل، وتحديد أفضل الممارسات للتأثير فيه، والتأثير في السوق والاقتصاد بشكل عام من خلال التركيز على العوامل التالي: النوايا والتفضيلات الشرائية، والتحيزات الإدراكية، والأبعاد الثقافية والعوامل النفسية الأخرى.
فهمك لسلوكيات مستهلكيك، ثم الاستثمار فيه بالشكل الأمثل سيعود عليك في تحسين رضا عملائك، وزيادة مبيعاتك وإيراداتك. فعلى سبيل المثال، يمكن لشركتك تحسين تجربة المستخدم لديها وتوفير منتجات تلبي احتياجات عملائك بشكل أفضل، وهذا بدوره يسهم في بناء علاقات عملاء طويلة الأمد وزيادة الولاء لعلامتك التجارية.
2- تحليل سلوك الشركات والمؤسسات:
في سوق الأعمال المتنافسة، يعتمد تحقيق التفوق التنافسي بشكل كبير على قدرة الشركات على فهم سلوك عملائها وشركائها، واتخاذ القرارات الإنتاجية بذكاء. وفي هذا الشأن، تبرز أهمية النماذج الاقتصادية السلوكية في تحقيق هذه الأهداف؛ لكونها تركز على دراسة العوامل النفسية والاجتماعية التي تؤثر في اتخاذ القرارات الاقتصادية للشركات.
فبدلاً من أن الافتراض أن الشركاء والعملاء يتصرفون منطقي، تأخذ هذه النماذج بعين الاعتبار أن قراراتهم الإنتاجية تتأثر بتحيزاتهم الإدراكية وتحفظاتهم النفسيية، وينعكس ذلك حتماً في على حرجة السوق وكيفية التعامل مع المستهلكين وبالتالي تحديد الخطوة التالية للشركة هل تستمر في البحث والتطوير لمنتجاتها الحالية أم تعمل على إطلاق منتج جديد.
3- استكشاف أهمية استراتيجيات المنافسة والابتكار للشركات
تعد استراتيجيات المنافسة والابتكار أمور حيوية لاستدامة الشركات ونموها الاقتصادي. من خلال الاقتصاد السلوكي، يمكن للشركات تحليل سلوك المنافسين والمستهلكين والتوقعات المستقبلية للسوق، وأيضاً فهم كيفية تحفيز المستهلكين للإقبال على منتجاتها من خلال تصميم استراتيجيات ترويجية ملائمة تلبي احتياجاتهم وتفضيلاتهم.
فتطبيق الاقتصاد السلوكي يمكن أن يدفع شركتك للابتكار وتطوير منتجات جديدة وفريدة؛ ففهمك لسلوك المنتجين والمستهلكين، يساعد شركتك في تحديد نقاط القوة والضعف في السوق، وتطوير استراتيجيات تنافسية تساهم في نمو شركتك.
4- اتخاذ القرارات الاقتصادية للحكومات
تزداد أهمية الاقتصاد السلوكي لكونه يرتبط -ارتباط وثيق- بالقرارات الاقتصادية العامة للدولة التي تنعكس على الاقتصاد وعلى رفاهية المجتمع بأكمله. إذ يساعد الاقتصاد السلوكي في فهم القرارات الاقتصادية العامة، وتحليل تأثيراتها، ووضع سياسات اقتصادية أكثر فعالية في تحقيق أهداف معينة وتحسين الرفاهية العامة للأفراد.
ويمكن للحكومات أن تستفيد من نماذج الاقتصاد السلوكي في فهم القرارات الاقتصادية العامة كأدواتٍ تحليلية قوية تركز على التفاعلات النفسية والاجتماعية التي تؤثر في قرارات الأفراد والجماعات على المستوى الاقتصادي للوصول إلى فهم أسباب اتخاذ القرارات وتحليل نتائجها المحتملة، وعدم الاكتفاء بالمفهوم التقليدي لتصرفات الأفرد انطلاقاُ من مصالحهم الذاتية، والتحول لتصبح كثر واقعية في تحليلها والتنبؤ والعوامل النفسية والاجتماعية التي تؤثر في تحديد القرارات الاقتصادية العامة للأفراد، وبالتالي بناء علاقة أفضل معهم وتحديد القرارات الاقتصادية العامة الأنسب.
5- الاقتصاد السلوكي قابل للتطبيق على كل نواحي الحياة
بخلاف الفهم الشائع عن الاقتصاد السلوكي بأنه لا يصلح إلا لمجالات محدودة مثل التسويق والإعلانات بسبب شيوع تطبيقه ودمجه فيهما، تتجلى أهمية الاقتصاد السلوكي في أنه علم قابل للتطبيق في مجالات محورية في حياتنا كمجالات الموارد البشرية، والمالية، والصحية، وحتى التعليمية.
فمن خلال مبادئه كالخوف من الخسارة، وإطار العرص، وتأثير الندرة، وتأثير الرعاية، يمكن الاستفادة منه وتوظيفه في أي مجال قائم على التواصل والتفاعل المباشر بين الأفراد، إذ أن عقولنا الشرطة تعمل من خلال مفاتيح خاصة تساعد مبادئ الاقتصاد السلوكي على حلها وفتحها.
6- الاقتصاد السلوكي يكشف ما لا تكشفه الأرقام
أياً كان النشاط الذي تفعله عزيزي القارئ، ما رأيك بمضاعفة نجاحك؟ لا بد أنك تستخدم البيانات والأرقام -بشكل من الأشكال- وتستعين بها في تحقيق أهدافك وتطوير نشاطك؛ فهي مؤشرات دقيقة وقابلة للتتبع وتعطي صورة واضحة ولكنها تقتصر رؤيتها على ناحية أو نواحي متعددة محدودة،
ولكن لتقرأ ما وراء السطور والأرقام، فالاقتصاد السلوكي يجعل يهمك أوضح من خلال الكشف عن الأسباب والدوافع وراء هذه الأرقام والسلوكيات التي أدت إلى تحقيق هذه الأرقام.
7- الاقتصاد السلوكي ليس له نهاية
لا تستغرب عزيزي القارئ. الاقتصاد السلوكي هو علمٌ لا نهاية له بالفعل وهو في حالة تحديث مستمرة مع الكم الهائل من التغييرات التي تحيط بنا؛ فنحن نعيش في زمنٍ يشهد ظهور جديد أو تغير جديد في كل دقيقة تجعل من الضروري أن نفهم كيف نتعامل معها وكيق نفسره وحتى نتواصل معه أو من خلاله.
فالحياة في حالة تغير مستمرة وخير مثال تطبيقات التواصل الاجتماعي؛ فكل جمهور له دوافعه وتفضيلاته وميوله واهتماماته، يعني ذلك أن علينا أننا سنحتاج حتماً إلى الاقتصاد السلوكي وتوطيف مبادئه واستراتيجياته لتحديد أفضل الطرق للتفاعل والاستجابة.
اطلع أيضاً: الدليل الكامل إلى الاقتصاد السلوكي
خدمات نيوفيرستي في توظيف تقنيات الاقتصاد السلوكي
نقدم في نيوفيرستي ضمن برامج الشركات والمصممة خصيصاً برنامجأ خاصاً في الاقتصاد السلوكي والتدخلات السلوكيّة بهدف تقديم فهمٍ واضحٍ لسلوكيات الأفراد وآليات اتخاذ القرارات داخل المؤسسة لتوقّع ردود أفعال الموظفين في المواقف المختلفة.
نوفر هذا البرنامج للمؤسسات والشركات كي يقدّم لهم نظرةً عامةً على المفاهيم والتقنيات الرئيسة في الاقتصاد السلوكيّ، وكيفية توظيفه في إنشاء استراتيجيات تسويق ومبيعات أكثر فعالية من خلال تصميم منتجات وخدمات ترتكز على تلبية احتياجات وآمال العملاء.
نيوفيرسيتي الشريك الأمثل للمؤسسات والشركات في المنطقة العربية
نفخر في نيوفيرستي أننا نمتلك خبراء ومختصون في مجال الاقتصاد السلوكي يشرفون على إعداد برامج متطورة ومحدثة بصورة دورية لتمكن المؤسسات والشركاء في منطقتنا العربية من الحصول على أفضل البرامج التي تساعدهم في فهم العلاقة بين الاقتصاد والسلوك البشري، وامتلاك المعرفة والمهارات العملية اللازمة لتطبيق مبادئ هذا العلم الحديث داخل مؤسساتهم وشركاتهم بطريقة فعالة وذكية تحسن من أداء الشركة والموظفين وتحقق الأهداف والنتائج المطلوبة.
ختاماً، يغلب طابع المنافسة والسرعة على عالمنا المعاصر، ويفرض ذلك علينا دمج الاقتصاد السلوكي في حياتنا وأساليب حياتنا ليساعدنا في فهم من حولنا، والاقتصاد بصورة رئيسة لأنه هو القوة الأساسية التي تدفع عجلة كل شيء. ففهم العوامل التي تؤثر علينا وعلى قراراتنا الاقتصادية والعامة يساعدنا في توجيهها بطرق أفضل وتطويرها وتحسينها بالاتجاه الذي نريد.
لا شك أن الاقتصاد السلوكي ذات أهمية متزايدة ويتطلب منا -بالفعل- السعي إلى دمجه في مختلف مناحي الحياة حتى نحسن من النتائج ونزيد من الإنتاجية، ولكن هل تعتقد -عزيزي القارئ- أن منطقتنا العربية اكتشفت أهمية هذا العلم الجديد، وهل بدأ بلدك بتوظيف تقنياته، والأهم هل هنالك مختصون بهذا العلم في بلدك لتطبيقه بالشكل الصحيح؟ شاركنا إجابتك في التعليقات