تلقى نظريات الاقتصاد السلوكي اهتماماً مثيراً للجدل في مجال العلوم الاقتصادية، فبدلاً من التركيز على النماذج الاقتصادية التقليدية التي تفترض سلوكاً منطقياً للأفراد، تركز نظريات الاقتصاد السلوكي -بصورة رئيسية- على فهم الدوافع النفسية والاجتماعية والثقافية التي تؤثر في قرارات الأفراد واختياراتهم.
في هذا المقال، نسلط الضوء على مفهوم الاقتصاد السلوكي، نشأته، وأهم نظرياته والمصطلحات الأكثر تداولاً فيه.
ماذا تعرف عن الاقتصاد السلوكي؟
لنبدأ بشرح بسيط لما يشير إليه الاقتصاد السلوكي قبل الانتقال إلى الحديث عن نظرياته. وتبسيطأ لك -عزيزي القارئ- هذا العلم الجديد هو دراسة العلاقة بين علم النفس وعمليات اتخاذ القرارات الاقتصادية للأفراد والمؤسسات في سياقات مختلفة.
وأهم ما يميزه أنه علم يجمع بين النظرية والتطبيق؛ إذ يعتمد على جمع مؤشرات فعلية وواقعية في محاولة جدية لتفسير السلوك البشري في ظروف وسياقات مختلفة؛ ليوصلنا -أخيراً- إلى فهم العوامل المؤثرة في سلوك المؤسسات والأفراد وقراراتهم الاقتصادية.
نشأة الاقتصاد السلوكي
يرجع ظهور الاقتصاد السلوكي إلى أواخر القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين على يد مجموعة من علماء الاقتصاد وعلماء النفس مثل إيفان بافلوف الذي كان له دور في إظهار أهمية السلوكيات المكتسبة في عملية اتخاذ القرار، ثم بدء حالة الرفض الافتراضات العقلانية للاقتصاد التقليدي -في خمسينيات وستينيات القرن الماضي- على يد علماء آخرين مثل دانيال كانيمان وعاموس تفرسكي ووضعوا أبحاثهم حول التحيزات المعرفية والاستدلال الأساس لمجال الاقتصاد السلوكي.
وبمرور الوقت، بدأ علم الاقتصاد السلوكي يكتسب أهمية متزايدة، ولاقت أفكاره رواجاً وطُبقت على صنع السياسات والتمويل والتسويق وغيرها من المجالات وفتح آفاقاً جديدة للبحث متعدد التخصصات.
اطلع أيضاً: أهمية الاقتصاد السلوكي
نظريات الاقتصاد السلوكي
يرتكز الاقتصاد السلوكي على نظريات عميقة تقدم رؤى قيّمة حول تعقيدات صنع القرار البشري ، وتسلط الضوء على قيود النماذج الاقتصادية التقليدية وتقدم فهماً أكثر دقة للسلوك الاقتصادي.
نستعرض في هذه الفقرة أهم نظرياته:
1- نظرية الاحتمالات
جاءت نظرية الاحتمالات نتيجة عدم اليقين لتشرح ظواهر مثل النفور من المخاطرة وتأثير التقطير على يد دانيال كانيمان وعاموس تفيرسكي. وفق هذه النظرية، يقيم الأفراد المكاسب والخسائر المحتملة بالنسبة لنقطةٍ مرجعيةٍ محددة، ويميلون لأن يكونوا أكثر حساسيةً للخسائر من المكاسب.
تساعد نظرية الاحتمالات الاقتصاديين على نمذجة السلوك البشري والتنبؤ به من خلال:
- وضع سيناريوهات مختلفة للأحداث.
- تحليل آليات فهم الأفراد للمخاطر، ثم كيفية اتخاذهم للقرارات في ظل عدم اليقين.
- اكتساب فهمٍ أعمق للتفاعل المعقد بين علم النفس البشري واتخاذ القرارات الاقتصادية.
2- الإرساء والتكيف
تفترض هذه النظرية أن الأفراد يميلون إلى الاعتماد بشكلٍ كبيرٍ على معلومةٍ أولية عند اتخاذ القرارات ، ثم تعديل أحكامهم بناءً عليها. وهذه الظاهرة لها آثارٌ كبيرةٌ على مختلف السياقات الاقتصادية والمالية. فعلى سبيل المثال في مفاوضات التسعير ، يمكن أن يكون السعر الأولي الذي يقترحه أحد الأطراف بمثابة نقطة ارتكاز مما يؤثر على السعر النهائي المتفق عليه .
تُعتبر نظرية الإرساء والتكيف أساسيةً في الاقتصاد السلوكي كونها تساعد في:
- استكشاف كيفية اتخاذ الأفراد الأحكام والقرارات بناءً على نقطة ارتكازية.
- فهم التحيزات في الأحكام والقرارات المتخذة لكونها تتأثر بمعلومات قد تكون غير ذات صلة.
- التعرّف على التحيزات المعرفية التي يمكن أن تؤثر على صنع القرار وتصميم التدخلات للتخفيف من آثارها.
3- تجنّب الخسارة
تفترض نظرية تجنب الخسارة أن الأفراد يشعرون بالخسارة بدرجة أكبر من الشعور بالربح؛ ولذلك يتجنبون المخاطرة بفقدان شيءٍ مقابل الفرصة المحتملة للحصول على ربح. وهذا التفضيل لتجنب الخسارة يمكن أن يؤثر على قراراتهم وسلوكهم الاقتصادي.
تعتبر نظرية تجنب الخسارة مهمًة لعدة أسبابٍ فهي:
- تعتبر أداةً هامةً في تحليل السوق المالية؛ لكونها قد تؤثر على أسعار الأصول وتشكّل تقلبات في السوق المالية.
- تساهم في توضيح سلوك الأفراد في تجنب المخاطر وتفضيل الحفاظ على القيمة الموجودة بدلاً من المكاسب المحتملة.
- تعدّ ضرورةً في تصميم السياسات الاقتصادية والتدخلات الحكومية، حيث يمكن توجيه الأفراد نحو اتخاذ القرارات المثلى وتحقيق التوازن بين المخاطرة والمكافأة.
4- الخصم الزائد
وفقاً لنظرية الخصم الزائد، يميل الأفراد إلى إعطاء أولويةٍ أكبر للمكافآت المتوقّعة في المستقبل عن المكافآت الفورية. وهذا يعني أنهم يخصمون قيمة المكافآت المستقبلية بناءً على الوقت، ويعطونها أقل قيمة من المكافآت الفورية.
تكمن أهمية هذه النظرية في:
- تفسير تفضيلات الأفراد وتحديد كيفية تقديرهم للمكافآت المستقبلية مقارنةً بالمكافآت الفورية.
- تفسير الظواهر المثلية مثل تأجيل الاستهلاك والتوازن بين المخاطرة والمكافأة.
- تصميم السياسات الاقتصادية والتدخلات الحكومية، بما يسمح باستخدامها لتحقيق التوازن بين المكافآت الفورية و المستقبلية وتحفيز اتخاذ القرارات المثلى.
5- نظرية الدفع
روج لنظرية الدفع ريتشارد ثالر وكاس سنستين. وتقترح أن التغييرات الصغيرة في طريقة عرض الخيارات يمكن أن تؤثر على قرارات الأفراد، وتسعى هذه النظرية إلى فهم كيفية تأثير الأشكال المختلفة للمحفزات على سلوك الأفراد وعمليات اتخاذ القرار. وفق هذه النظرية فإن أسلوب الدفع، وطريقة التحفيز تؤثر على إدراك الأفراد لقيمة السلع أو الخدمات ، فضلاً عن استعدادهم لدفع ثمنها.
تساعد نظرية الدفع في:
- استكشاف مفهوم المحاسبة العقلية الذي يشير إلى كيفية تصنيف الأفراد عقلياً وتعيين قيمة لمواردهم المالية.
- مساعدة الشركات وصانعي السياسات على تصميم استراتيجيات فعّالة للتأثير على سلوك المستهلك وتعزيز اتخاذ قراراتٍ ماليةٍ أكثر مسؤولية.
- تحليل الاتجاهات الاقتصادية من خلال فهم سلوك المستهلكين ونمط إنفاقهم، وبالتالي توقّع الطلب على المنتجات واتخاذ قراراتٍ تتعلق بالإنتاج والتوزيع والتسويق.
6- نظرية اللعبة السلوكية
تهتم نظرية اللعبة السلوكية في دراسة سلوك الأفراد والشركات في بيئةٍ تنافسية، وتعتمد على فرضية أن الأفراد يتصرفون بناءً على توقعاتهم لتصرفات الآخرين ويحاولون تحقيق أقصى فائدةٍ لهم. تُحلَّل الألعاب الاقتصادية بواسطة نماذج رياضيةٍ تعتمد على مفهوم اللاعبين والاستراتيجيات المتاحة لهم.
تنعكس أهمية نظرية اللعبة السلوكية في الأمور التالية:
- فهم سلوكيات الأفراد في اتخاذهم للقرارات بناءً على كيفية تفاعلهم مع بعضهم، وتقييمهم للمخاطر والمكافآت المحتملة.
- تحليل استراتيجيات الشركات والأفراد في سوقٍ معين، وتوفير رؤىً حول كيفية تفاعل اللاعبين في السوق وتأثير ذلك على الأسعار والكميات المنتجة.
- فهم الظواهر الاجتماعية وتأثيرها على سلوك الأفراد وقراراتهم. وبالتالي، المساهمة في فهم ظواهر أخرى مثل التعاون والتنافس والتعاون الاستراتيجي.
7- التفضيلات الاجتماعية
تستكشف نظرية التفضيلات الاجتماعية كيفية تأثُّر قرارات الأفراد وسلوكياتهم باهتمامهم بالعدالة والمعاملة بالمثل والأعراف الاجتماعية. وتفترض أن الدافع الوحيد للأفراد هو المصلحة الذاتية والعقلانية. مع ذلك، يجادل الاقتصاديون السلوكيون بأن تفضيلات الناس لا تحركها المكاسب المادية فحسب بل أيضاً الاعتبارات الاجتماعية.
تنعكس أهمية هذه النظرية في:
- فهم سلوك الأفراد والعوامل التي تؤثر في اختياراتهم الاقتصادية.
- تصميم السياسات العامة التي تهدف إلى تحقيق العدالة الاجتماعية وتحسين التوزيع العادل للثروة والفرص.
- فهم كيفية التفاوض واتخاذ القرارات الجماعية بما يسمح في تحليل العمليات الجماعية وتوجيهها نحو الحلول التي تحقق أكبر قدرٍ من الرضا والمنفعة للأفراد المشاركين.
اقرأ أيضاً: الدليل الشامل إلى الاقتصاد السلوكي
مصطلحات في الاقتصاد السلوكي
يتضمن الاقتصاد السلوكي العديد من المصطلحات المهمة التي تساعد على فهم سلوك الأفراد والمجتمعات وتحليلها وتوقعها. ومن بين هذه المصطلحات:
الثقة العمياء Overconfidence Effect
تشير إلى الظاهرة التي يكون فيها الأفراد عادةً متفائلين جداً بشأن إجاباتهم على الأسئلة. وهذا يعني أن الأفراد يميلون إلى تقدير إمكانياتهم بشكلٍ مبالغٍ فيه، مما يؤدي إلى اتخاذ قراراتٍ خاطئة.
مغالطة التخطيط Planning Fallacy
ويعني اتجاه الأفراد لتقدير الوقت اللازم لإنجاز مهمةً ما بأقل مما يحتاجونه في الواقع. مما يؤدي إلى تأخير في إنجاز المهام.
لعبة الإنذار الأخيرة Ultimatum game
وهو لعبة تُستخدم لدراسة سلوك الأفراد في المواقف التي تتطلب التفاوض. حيث يتم تحليل سلوك الأفراد في هذه اللعبة لفهم سلوكهم في مثل هذه المواقف.
ازدواجية المعايير Dual-system theory
يشير هذا المصطلح إلى نظريةٍ تفسيريةٍ تقول ان العقل البشري يتكون من نظامين مختلفين للتفكير. يُستخدم النظام الأول في القرارات السريعة والتلقائية، في حين يُستخدم الثاني في القرارات الأكثر أهمية التي تتطلب تفكيراً وتحليلاً.
العقلانية المحدودة Bounded rationality
تشير العقلانية المقيدة إلى حقيقة أن الأشخاص لديهم قدرة معرفية ومعلومات ووقت محدود ، ولا يتخذون دائما الخيار “الصحيح” من وجهة نظر اقتصادية حتى لو كانت المعلومات متاحةو من شأنها أن توجههم نحو مسار عمل معين.
التوافر الإرشادي availability heuristic
يشير دليل التوافر إلى فكرة أن الأفراد غالباًما يعتمدون على المعلومات سهلة الاسترجاع بدلاً من البيانات الفعلية عند تقييم احتمالية نتيجةٍ معينة.
اطلع أيضاً: تطبيقات الاقتصاد السلوكي
خدمات نيوفيرستي في الاقتصاد السلوكي والذكاء الاصطناعي
- برنامج الذكاء الاصطناعي ورقمنة الأعمال
- برنامج تقنيات بلوك تشين
- برامج الشركات والمصممة خصيصاً
- برنامج الاقتصاد السلوكي
نيوفيرستي الشريك الموثوق للشركات والمؤسسات في المنطقة العربية
حققنافي نيوفرستي العديد من الشراكات الناجحة بفضل فريقنا الخبير والمؤهل أكاديمياً ومهنياً ويمتاز بالاحترافية في كل ما يتعلق بالتحول الرقمي والذكاء الاصطناعي والعمل والتعليم عن بعد. ولذلك يثق شركاؤنا انهم معنا سيخطون خطواتٍ راسخة للأمام، وسينتقلون إلى مستوى أعلى في الجودة و الاحترافية.
وختاماً، من الواضح والبيت أن نظريات الاقتصاد السلوكي أحدثت ثورةً في فهمنا لعملية صنع القرار ، وسلطت الضوء على دور التحيزات والعواطف والتأثيرات الاجتماعية في حياتنا. ومع مواصلة استكشاف هذا المجال، يمكننا أن نتوقع مزيداً من التقدم في فهمنا للسلوك البشري وآثاره على النتائج الاقتصادية. ويبقى أن نسألك -عزيزي القارئ- أي من هذه النظريات وحتى المصطلحات التي ذكرناها في مقالنا وجدته قريباً إليك ويلامس جانباً من شخصيتك؟