أحد الأسئلة التي قد تدور في أدمغتنا هي كيف يصبح الإنسان ناجحاً أو عبقرياً؟ وما هي السمة المشتركة لفئة الناجحين؟ إنّ ما يميز البشر فيما بينهم هو مستوى مهارات التفكير التي يمتلكونها.
في مقال اليوم نقدم لكم دليلاً شاملاً حول مهارات التفكير . تعريفها، خصائصها، أهميتها، تصنيفها وسنتحدث عن الفرق بين مهارات التفكير وتصنيف بلوم .وأهم الاستراتيجيات المُتّبعة لتنمية وتطوير مهارات التفكير. لنغوص معاً في هذه المهارات التي تجري عملياتها داخل الدماغ البشري الذي لازال يبهرنا بالقدرات الكامنة داخله.
ما هي مهارات التفكير؟
مهارات التفكير هي القدرات التي تُمكّن الفرد من استخدام عقله بصورةٍ فعالةٍ لمعالجة المعلومات وفهم التجارب حول الموضوعات المختلفة والمشكلات التي تواجهه والقدرة على اتخاذ القرارات.
الفرق بين التفكير ومهارات التفكير
لكي تعرف الفرق بين التفكير ومهارات التفكير ؛ لا بدّ من التعرّف على كلٍّ منهما وحينها يمكنك التفريق بينهما.
فالتفكير هو عملية معالجةٍ عقليةٍ للمدخلات الحسّية والمعلومات المترجمة لتكوين الأفكار أو استدلالها أو الحكم عليها ، وهي عملية ٌغير مفهومةٍ تماماً، وتتضمن الإدراك، الخبرة السابقة، المعالجة الواعية، الاحتضان والحدس.
أما مهارات التفكير: فهي عملياتٌ محددةٌ نمارسها ونستخدمها عن قصدٍ في معالجة المعلومات ، كمهارات تحديد المشكلة وإيجاد الافتراضات غير المذكورة في النص، أو تقويم قوة الدليل أو الادّعاء.
خصائص مهارات التفكير
تتميّز مهارات التفكير بمجموعة من الخصائص تلعب دوراً مهماً في تعزيز القدرة على التفكير بشكلٍ فعالٍ، ومواجهة التحديات المعقدة في مختلف جوانب الحياة. إليك أبرز هذه الخصائص:
- التقييم الموضوعي للمعلومات.
- تحليل الحجج وتقييم الأدلة.
- القدرة على توليد أفكار جديدة ومبتكرة.
- النظر إلى المشكلات والمواقف من منظورات مختلفة.
- استخدام البيانات والمعلومات بطريقة منهجية للوصول إلى استنتاجات.
- التكيف مع التغيرات وإعادة تقييم الاستراتيجيات عند الحاجة.
- تقييم الأداء الذاتي والتعرف على نقاط القوة والضعف.
أهمية تعلّم مهارات التفكير
للتفكير أهميةٌ كبيرةٌ في حياة الإنسان تؤثر إيجاباً على مستقبله ويمكن إيجازها في النقاط التالية :
- تحفّز قدرتك على الانتباه والقدرة على المشاركة بفاعليةٍ في مختلف المواقف.
- تمنحك الدافع على استمرار عمليات البحث و التوصل إلى معلوماتٍ جديدةٍ.
- تنمّي مهاراتك و قدراتك على التفكير الإبداعي.
- تزيد من ثقتك بنفسك ومن مهاراتك في التواصل مع الآخرين.
تصنيف مهارات التفكير
يوجد عدة تصنيفات لمهارات التفكير تتفرع إلى مهارات التفكير الدنيا، مهارات التفكير الوسطى ومهارات التفكير العليا، ويعود ذلك إلى ترابط عمليات التفكير وتكاملها فيما بينها. وفيما يلي سنتناول كل نوعٍ من أنواع مهارات التفكير على حدة.
المهارات الاساسية ( الدنيا)
و هي العمليات الذهنية التي تعتمد بشكلٍ أساسيٍّ على التذكّر والتقليد أكثر من الفهم العميق أو التحليل النقدي. ومن هذه المهارات نذكر:
- التقليد أو النقل.
- اتباع القواعد والتوجيهات.
- الحفظ والاستظهار.
- الحفظ عن ظهر قلب.
- التحديد واستخراج المعلومة من نصٍّ أو كتابٍ ما.
المهارات الوسطى ( المنطقية)
ما يميّز هذه المهارات أنها تشكل جسرًا حيويًا بين المهارات الأساسية للتفكير ومهارات التفكير العليا، وذلك باستخدام التفكير المنطقي الذي يصدّر القرارات باستعمال المعلومات المتاحة وبطريقة ٍموضوعيةٍ ومن هذه المهارات:
- التمييز بين المفاهيم والحقائق.
- تجميع المعلومات المتشابهة وتفريقها عن المختلفة منها.
- تصنيف الأفكار ضمن فئاتٍ استناداً إلى معايير محددةٍ.
- التسلسل المنطقي والزمني للأحداث.
- التعامل مع الأرقام وإجراء العمليات الحسابية.
- علاقة السبب والنتيجة.
- استخدام الرموز ، الرسومات والخرائط الذهنية لتوضيح العلاقة بين الأفكار.
- استخلاص النتائج بناءً على المعلومات المتاحة.
المهارات العليا
و هي مجموعةٌ من القدرات والمهارات التي تُتيح للأفراد التفكير بشكلٍ عميق ٍومنطقيٍّ وناقدٍ وإبداعيٍّ في سياقات مختلفة.
مهارات التفكير الابداعي
تُعنى بالنظر إلى المشكلات والمواقف من زوايا جديدةٍ وغير تقليديةٍ مع توليد أفكارٍ وحلولٍ مبتكرةٍ. ومن أهم هذه المهارات:
- الانخراط في أنشطةٍ تحفّز الإبداع، مثل الكتابة، الرسم أو التصميم بشكلٍ منتظمٍ.
- السعي وراء تعلّم مهاراتٍ جديدةٍ والبحث في مواضيع غير مألوفةٍ لتوسيع نطاق التفكير.
- استخدام الرسوم البيانية، الخرائط الذهنية أو التصوير .
- العصف الذهني الجماعي لتوليد أفكارٍ وحلولٍ متنوعةٍ،
- تحدّي نفسك بمشكلاتٍ مفتوحة النهاية.
- تحفيز الأفكار الإبداعية من خلال توفير الوقت للعقل لاستكشاف اتصالاتٍ جديدةٍ.
مهارات التفكير النقدي
التفكير النقدي هو عملية تقييم المعلومات والحجج بطريقة ٍمنظمةٍ ومنهجيةٍ لتحديد صحتها، موثوقيتها وفعاليتها. ومن هذه المهارات:
- التحليل من خلال تحديد وتقييم الافتراضات الكامنة وراء الحجج والمعتقدات.
- تقييم الأدلة لدعم الحجج، مع التمييز بين الأدلة القوية والضعيفة.
- تحديد المغالطات المنطقية من خلال الاستدلال.
- التفكير البديل من خلال النظر في وجهات نظرٍ مختلفةٍ واستكشاف السيناريوهات البديلة.
- اتخاذ القرار وحلّ المشكلات من خلال التكيف مع المعطيات.
مهارات التفكير الاستقرائي
وتستند هذه المهارات على الملاحظة وجمع البيانات للوصول إلى استنتاجاتٍ أو نظرياتٍ عامةٍ. ومن أهم مهارات التفكير الاستقرائي:
- الملاحظة الدقيقة والانتباه الشديد للتفاصيل والتغيرات حتى في البيئات المألوفة.
- تحليل البيانات و جمع المعلومات من مصادر متنوعةٍ وتحليل الاتجاهات والأنماط.
- تطوير الفرضيات من خلال اقتراح تفسيراتٍ محتملةٍ للأنماط الملاحظة.
- إجراء التجارب لاختبار الفرضيات.
- تقييم صحة الاستنتاجات المستخلصة من البيانات والتجارب.
مهارات التفكير التحليلي
وتساعدك في تفسير وفهم البيانات والمعلومات المعقدة وصنع قرارات مدروسة بعناية. وإليك بعض الجوانب الأساسية لمهارات التفكير التحليلي:
- ممارسة مهارة التعرّف على الأنماط من خلال الألغاز البصرية والألعاب التي تتطلب تطابق الأشكال أو الألوان.
- تحسين التفكير المنطقي وذلك بدراسة المنطق الرسمي واللعب بألعاب الذكاء.
- الانتباه للتفاصيل مثل تدقيق النصوص والتركيز على الأخطاء الصغيرة في البيانات.
- حلّ المشكلات،من خلال الانخراط في أنشطةٍ مثل البرمجة التي تتطلّب تطوير حلول للمشكلات التقنية.
- التقييم النقدي والذي يتطور بممارسة تحليل النصوص، الدراسات الحالية والأبحاث لتقييم مصداقيتها، استنتاجاتها ومنهجيتها.
- التواصل بفعّاليةٍ حول تحليلاتك و استنتاجاتك .
مهارات حل المشكلات
من المهارات المهمة في الحياة العملية والشخصية مهارة حلّ المشكلات. فالقليل يتمتع بالقدرة على ذلك. لكن من لا يمتلك هذه المهارة بإمكانه تعلّمها من خلال:
- التعرّف على المشكلة بتحديدٍ واضحٍ ودقيقٍ لطبيعتها.
- تحليل المعلومات بطريقةٍ منهجيةٍ وموضوعيّةٍ من خلال التدريب على تحليل الحجج، تقييم المصادر وتمييز الحقائق من الآراء.
- التفكير خارج الصندوق وتطوير حلولٍ مبتكرةٍ.
- اختيار الحل الأمثل من خلال تحليل سيناريوهاتٍ مختلفةٍ، تقييم المخاطر والفوائد والتدرّب على اتخاذ القرارات في ظروفٍ محفوفةٍ بالضغط.
- التعاون و التواصل بفعالية، الاستماع للآخرين وتقدير وجهات نظرٍ مختلفةٍ.
- التحلّي بالصبر والمثابرة للتغلب على الإحباط والاستمرار في البحث عن حلولٍ.
اطلع على استراتيجية التفكير الناقد، لماذا هي مهمة في التعليم؟
ما الفرق بين تصنيف مهارات التفكير وتصنيف بلوم؟
بدايةً. يُعدّ تصنيفيّ مهارات التفكير و بلوم من الأنظمة المهمة المُستخدمة في التعليم وعلم النفس التربوي لفهم وتنظيم العمليات العقلية والتعليمية. حيث يشتركان بالهدف الذي يتمحور حول التحليل وتطوير مهارات التفكير والتعلّم، لكنهما يختلفان في التركيز، التطبيق والإطار النظري.
- يركّز تصنيف مهارات التفكير على العمليات الذهنية وكيفية تطويرها، بينما يكون تركيز تصنيف بلوم على تصنيف وترتيب أهداف التعلم حسب مستويات المعرفة والمهارة.
- يُستخدم تصنيف مهارات التفكير بشكلٍ عام لتحليل وتحسين التفكير الفردي ومهارات حل المشكلات. في حين أن تصنيف بلوم يُستخدم بشكلٍ أساسيٍ في التخطيط التعليمي، تطوير المناهج الدراسية وتصميم الاختبارات.
- من ناحية الإطار الزمني فيعتمد تصنيف مهارات التفكير على فهم العمليات العقلية وكيفية تعزيزها. بينما يعتمد تصنيف بلوم على بناٍء هرميٍّ لأهداف التعلّم يعكس تعقيد وعمق المعرفة والمهارات المطلوبة.
استراتيجيات تنمية وتطوير مهارات التفكير
من الممكن تطوير مهارات التفكير بدءاً من التعليم الرسمي إلى التعلّم الذاتي والممارسات اليومية. و فيما يلي بعض الاستراتيجيات الفعالة لتنمية وتطوير مهارات التفكير:
تعزيز الفضول والاستفسار
شجّع على طرح الأسئلة والاستكشاف. استخدم الأسئلة المفتوحة التي تتطلب تفكيرًا أعمق ولا تكتفِ بالإجابات البسيطة أو السطحية.
التعلم من خلال التدريس
التدريس هو وسيلةٌ فعّالةُ لتعميق فهمك لموضوع ما. حاول تعليم مفهوم ٍجديدٍ تعلمته لشخصٍ آخر. مما يساعدك في تنظيم أفكارك و شرحها بوضوحٍ.
التفكير النقدي والتحليلي
تدرّب على تحليل الحجج، البحث عن أخطاء المنطق وتقييم المصادر بنقد. يمكنك ممارسة هذه المهارة من خلال قراءة المقالات النقدية أو المشاركة في نقاشاتٍ حول مواضيع معقدةٍ.
ممارسة التفكير الإبداعي
خصص وقتًا للأنشطة الإبداعية مثل الرسم، الكتابة أو التصميم. استخدم تمارين مثل عصف الذهن أو التفكير الجانبي لاستكشاف حلولٍ غير تقليديةٍ للمشكلات.
التعلم القائم على المشاريع
شارك في مشاريع تتطلب بحثًا، تخطيطًا وتنفيذًا. المشاريع الجماعية تعزز أيضًا مهارات العمل الجماعي والقيادة.
الانعكاس الذاتي والتأمل
خصّص وقتًا للتفكير في تجاربك والتعلّم منها. استخدم يوميات التأمل أو جلسات الانعكاس الذاتي لتحليل قراراتك وأفكارك.
تمارين تنمية مهارات التفكير
إن لم تطوّر مهارات التفكير لديك؛ فحكماً ستتراجع على مستوى المهنة والحياة. وفيما يلي مجموعةٌ من التمارين التي تساعد على تطوير مهارات التفكير المختلفة:
1. الألغاز والمسائل اللوجستية مثل السودوكو، الكلمات المتقاطعة أو الألغاز الرياضية.
2. تمارين عصف الذهن حول موضوعاتٍ أو مشكلاتٍ معينةٍ مع التركيز على توليد أكبر قدرٍ ممكنٍ من الأفكار دون الحكم عليها.
3. اختيارك حالاتٍ دراسيةٍ من الواقع أو من مجالاتٍ مهنيةٍ مختلفةٍ، تحليلها، تحديد المشكلات، تقييم الحلول المتاحة واقتراح حلولٍ بديلةٍ.
4. التأمل والتفكير الذاتي في تجاربك الشخصية والمهنية. وذلك بتحليل القرارات التي اتخذتها والتفكير في كيفية تحسينها أو ما يمكن تعلّمه منها.
5. كتابة المقالات النقدية ثمّ كتابة تحليلٍ نقديٍّ له. وركّز على تقييم الحجج، تحليل البنية وتقديم رأيك الخاص.
6. الألعاب الاستراتيجية مثل الشطرنج، (Go) أو ألعاب الفيديو الاستراتيجية التي تطور قدرتك على التخطيط، التنبؤ بتحركات الخصم واتخاذ قراراتٍ تحت الضغط.
اطلع على التفكير الإبداعي: كيف تحوّل المشكلات إلى ابتكارات؟
و في نهاية المطاف، تمثل مهارات التفكير البوصلة التي توجهك نحو فهمٍ عميقٍ وتحليلٍ دقيقٍ. إنّ تنمية هذه المهارات ليست مُجرّد غايةٍ في حدّ ذاتها، بل هي استثمارٌ في ذاتك لتحقيق أهدافك وطموحاتك، ولتكون على أتمّ استعدادٍ لمواجهة تحديات الحياة وتحقيق النجاح في كلّ مجالاتها.
الأسئلة الشائعة
كم عدد مهارات التفكير؟
لايمكن حصر مهارات التفكير كونها تتضمن مجموعةً واسعةً ومتنوعةً من العمليات العقلية. و لكن بشكلٍ عامٍ يمكن تصنيفها إلى فئاتٍ رئيسيةٍ مثل التفكير النقدي، التفكير الإبداعي، التفكير التحليلي، التفكير الاستنباطي والاستقرائي، حيث تشمل كلّ فئةٍ بدورها مجموعةً من المهارات الفرعية المتخصصة.
كيف انمي مهارات التفكير العليا؟
لتنمية مهارات التفكير العليا، عليك بممارسة التفكير النقدي والتحليلي من خلال حلّ المشكلات المعقدة، التفكير في سيناريوهاتٍ مختلفةٍ، تحليل الحجج والمعلومات بشكلٍ نقدي. الانخراط في النقاشات الفكرية، قراءة الأدب الغني والمواد التحليلية والكتابة الانعكاسية أو النقدية يمكن أن تعزز أيضًاً هذه المهارات. المفتاح هو الاستمرار في تحدي الذهن بمهام جديدةٍ ومتنوعةٍ.